(باب التوبة)
  قال: وقال أبو هاشم: لا تجب التوبة من الصغائر عقلاً؛ إذ لا وجه يقتضي وجوبها.
  قال #: وهذه المسألة إنما هي واقعة على سبيل الفرض والتقدير؛ لأن الصغائر عندنا لا يصح أن تعلم، وإذا جوزنا في كل معصية أنها كبيرة ولم نقطع بأنها صغيرة وجبت التوبة عقلاً لأن وجوب دفع الضرر الموهوم في الثبوت كوجوب دفع المعلوم فلا خلاف حينئذ في وجوبها وإنما الخلاف حيث قد قطعنا بأنها صغيرة، وهذا إنما يتفق في حقنا على سبيل الفرض والتقدير لا على التحقيق.
  وأما في حق الأنبياء فيتحقق الخلاف لأن معاصيهم صغائر.
  قال: والصحيح أن التوبة لا تجب عليهم عقلاً بل سمعاً فقط لقوله تعالى لنبيه ÷: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[محمد: ١٩]، والمعلوم أن ذنب النبي ÷ صغيرة وقد أمره بالتوبة منها.
  قلت: والحق أن التوبة تجب من كل ذنب على الأنبياء وغيرهم عقلاً لأن العصيان ضد الشكر وشكر المنعم واجب عقلاً فلو حكم العقل بعدم وجوب الندم من المعصية للزم منه الرضا بها والرضا بعدم الشكر والرضا بالقبيح قبيح ولهذا فزع الأنبياء $ عقيب العصيان إلى التوبة عملاً بما ارتكز في عقولهم والله أعلم.
  واعلم أن التسويف بالتوبة مما يدل على عدم التوفيق وذلك لأن كل عاقل يقدِّر هجوم الموت في كل وقت فلا يأمن أن يهجم عليه وهو عاص لله تعالى فالواجب على كل عاقل أن يتيقظ لذلك ويستعد لهجومه بالتوبة والوصية في كل