شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

كتاب المنزلة بين المنزلتين

صفحة 176 - الجزء 4

  وقت وقد أشار إلى ذلك من قال⁣(⁣١):

  لا تأمن الموت في طرْف ولا نفس ... وإن تمنعت بالحجاب والحرس

  واعلم أن التوبة لا يجب قبولها عقلاً وفاقاً لأبي القاسم البلخي وخلافاً للبصرية.

  قلنا: الذنب يقتضي العقاب والعقاب حق للمعاقِب أو في حكمه كعقاب الله العصاة فلا وجه لوجوب إسقاطه بالتوبة إلا برضاه أو ما في حكمه كالعفو عن التائب للمصلحة وكوجوب غرامة المال والقصاص ولقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ...} الآية [البقرة: ٥٤]، فلو وجب قبولها عقلاً لما أمرهم بقتل أنفسهم لأنه بعض عقوبة بلى يحكم العقل بعدم دوام العقاب مع التوبة كما يحكم بعدم دوام الذم والله أعلم.

  (و) حقيقة التوبة (هي الندم) على ما أتى به من القبيح لقبحه وأخل به من الواجب لوجوبه (والعزم على ترك العود على المعاصي) مدة العمر فالندم والعزم ركنان لها.

  وهي مقبولة من كل ذنب، وخالف بعضهم في قتل المؤمن وزعم أن آية الفرقان متقدمة نسختها آية النساء لأنها متأخرة والحق أنه يحمل المطلق على المقيد من غير فرق بين المتقدم والمتأخر.

  وهي تقبل ولو علم الله أن التائب يعود إلى ما تاب عنه خلاف بعض البغداديين.

  واتفق أبو علي وأبو هاشم أنها تسقط العقاب بنفسها لا بالموازنة بين ثوابها وعقاب العصيان، قالوا: إذ هي بذل الجهد في التلافي لما وقع من العصيان.


(١) القائل هو أبو العتاهية وقد تقدم.