(فصل):
  باستحقاق العقاب إلا حسن إنزاله بالعاصي.
  وقال قاضي القضاة: إن إيجاب الواجبات من الله سبحانه علينا لمجرد الإثابة لا يحسن إذ لا يجب طلب النفع وإلا لوجب علينا كل نفع ولما افترق الواجب والمندوب فلا بد من وجه للإيجاب وهو التحرز من المضار المستحقة على الإخلال وهي العقاب فهذه الطريقة إلى معرفة استحقاق العقاب من جهة الواجب والتي قبلها طريقة إلى استحقاق العقاب من جهة القبيح.
  قال الإمام المهدي #: إلا أن هذه الطريقة الأخيرة ليست عقلية محضة بل مركبة من العقل والسمع لأن إيجاب الله سبحانه وإلزامه وتوعده على الترك سمعي وكون الإيجاب لمجرد النفع لا بحسن عقلي فيكون حسن العقاب متوقفاً على السمع لتوقفه على الجنبة السمعية وهو لا يصح على ما سيأتي.
  وقال النجري: واعلم أن مبنى ورود الاعتراض على جعل الإيجاب المذكور هو الإيجاب الشرعي وهو الأمر والإلزام كما ذكرنا، فأما إذا حمل على الإيجاب العقلي لم يرد.
  وتحريره أن يقال: قد أوجب الله علينا واجبات عقلية أي أعلمنا بوجوبها ومكننا من تركها وخلق لنا نفرة عنها فلا بد من زاجر يزجرنا عنها وليس هو فوت النفع المستحق على فعلها للتسامح بالنفع الآجل عادة فيجب أن يكون ضرراً يحسن إنزاله بنا عند تركها وبهذا يندفع التناقض في كلامهم حيث يقولون مرة إن وجه الإيجاب التعريض لمنافع الثواب وتارة إن وجهه التحرز من المضار فيقال إن أصل الإيجاب للتعريض لكن لما لم يتم إلا بما يزجر عن الترك حسن العقاب فصار وجه وجوبه علينا للتحرز من المضار وكذا إذا قيل إن وجوبه لوقوعه على وجه لا للتحرز.
  فالجواب: هو بمراعاة جهتي الاعتبار يدرك ذلك بالتأمل وإمعان النظر