(فصل):
  فإذا عرفت صحة هذه القواعد الأربع فاعلم أن الذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وجوه ثلاثة:
  الأول: أن عمومات الوعيد أدلة قطعية لما مهدناه في تلك المقدمات وعمومات الوعد غير قطعية ولا يترك القطعي لما ليس بقطعي وذلك لأن عمومات الوعد مفهومات ومنطوقات، فالمفهومات نحو قوله تعالى: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ٤٨}[طه]، فدلت بمفهومها أن الفاسق لا يدخل النار وهذا مفهوم لقب وأكثر العلماء لا يعمل به.
  وقوله تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ١٥}[الليل]، مفهوم الاستثناء والضمير عائد إلى: {نَارًا تَلَظَّى ١٤}[الليل]، وهي نكرة فيمكن أن يدخل الفساق ناراً أخرى، وكذلك القول في سائر المفهومات وإن اختلفت قوة وضعفاً فدلالتها ظنية وهي لا تعارض المنطوق.
  وأما المنطوقات فمنها قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر: ٥٣]، وهي وإن كانت عامة لأفراد الذنوب فهي مجملة من حيث الغفران إذ يحتمل أنه بالتوبة وأنه بغيرها والأول أظهر؛ لأن من جملة الذنوب الكفر ولا يغفر إلا بالتوبة اتفاقاً.
  ومنها: قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}[الرعد: ٦]، ولا عموم فيها بل المغفرة مجملة كالتي قبلها من جهة الغفران والمغفور له معاً.
  ومنها قوله تعالى: {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ٣٤}[الشورى]، وهي مثل ما قبلها في الإجمال وهذه أقوى حججهم فصح أن ما تمسكوا به من العموم والمفهوم بعضه دلالته ظنية ضعيفة وبعضه لا دلالة فيه أصلاً كما تقرر.
  الوجه الثاني: أنا وإن سلمنا تساوي العمومين في القوة والضعف فحمل الوعد على الوعيد هو الأولى وذلك لأن فيه زجراً عن المعاصي وإرهاباً بالعقاب