شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل):

صفحة 227 - الجزء 4

  فإذا عرفت صحة هذه القواعد الأربع فاعلم أن الذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه وجوه ثلاثة:

  الأول: أن عمومات الوعيد أدلة قطعية لما مهدناه في تلك المقدمات وعمومات الوعد غير قطعية ولا يترك القطعي لما ليس بقطعي وذلك لأن عمومات الوعد مفهومات ومنطوقات، فالمفهومات نحو قوله تعالى: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ٤٨}⁣[طه]، فدلت بمفهومها أن الفاسق لا يدخل النار وهذا مفهوم لقب وأكثر العلماء لا يعمل به.

  وقوله تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ١٥}⁣[الليل]، مفهوم الاستثناء والضمير عائد إلى: {نَارًا تَلَظَّى ١٤}⁣[الليل]، وهي نكرة فيمكن أن يدخل الفساق ناراً أخرى، وكذلك القول في سائر المفهومات وإن اختلفت قوة وضعفاً فدلالتها ظنية وهي لا تعارض المنطوق.

  وأما المنطوقات فمنها قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}⁣[الزمر: ٥٣]، وهي وإن كانت عامة لأفراد الذنوب فهي مجملة من حيث الغفران إذ يحتمل أنه بالتوبة وأنه بغيرها والأول أظهر؛ لأن من جملة الذنوب الكفر ولا يغفر إلا بالتوبة اتفاقاً.

  ومنها: قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ}⁣[الرعد: ٦]، ولا عموم فيها بل المغفرة مجملة كالتي قبلها من جهة الغفران والمغفور له معاً.

  ومنها قوله تعالى: {وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ٣٤}⁣[الشورى]، وهي مثل ما قبلها في الإجمال وهذه أقوى حججهم فصح أن ما تمسكوا به من العموم والمفهوم بعضه دلالته ظنية ضعيفة وبعضه لا دلالة فيه أصلاً كما تقرر.

  الوجه الثاني: أنا وإن سلمنا تساوي العمومين في القوة والضعف فحمل الوعد على الوعيد هو الأولى وذلك لأن فيه زجراً عن المعاصي وإرهاباً بالعقاب