(فصل):
  عليها وفي حمل الوعيد على الوعد أو التوقف إغراء بالمعاصي وترغيباً للعصاة إليها والحمل على ما فيه المصلحة وزوال المفسدة هو الأولى بكلام العدل الحكيم.
  والوجه الثالث: أن في عمومات الوعيد ما لا يمكن تأويله ولا إخراجه عن ظاهره بوجه من الوجوه وهو قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣]، على ما سبق تقريره بخلاف عمومات الوعد فإنها كلها ممكنة التأويل فيجب أن يحمل ما يحتمل التأويل على ما لا يحتمله إذ لا سبيل إلى غير ذلك فيجب أن يكون الفاسق داخلاً في عمومات الوعيد غير مخرج مما توعد به أهل النار البتة.
  قالوا: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}[النساء: ١١٦]، المراد بغير توبة لأن التوبة تمحو الشرك فيكون المراد بقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} مثله أي بغير توبة.
  قلنا: قوله: {لِمَنْ يَشَاءُ} دليل على بطلان هذا المفهوم لأنه قد أخبرنا أن القاتل عمداً ونحوه مخلد في النار إلا أن يتوب فعلمنا أنه لا يشاء الغفران له مع عدم التوبة.
  ويدل على هذا ما روي في سبب نزولها أن شيخاً من العرب جاء إلى رسول الله ÷ فقال: إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئاً ولم أتخذ من دونه ولياً ولم أعصه جرأة عليه وما توهمت طرفة عين أني أعجزه هرباً وإني لتائب فما ترى؟ فنزلت.
  ثم لو سلمنا أن المراد بقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} بغير توبة فالمراد به صغائر المؤمنين وكل على أصله فيها.