شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر شفاعة النبي ÷

صفحة 237 - الجزء 4

  وأما {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فإنما هو إخبار عن قدرة الله على إفنائها إن شاء وذلك فهو كذلك إذ كان هو الذي خلق وأنشأ لأنه لا يقدر أحد أبداً على أن يبقي شيئاً شاء تخليده وإبقاءه إلا من يقدر أن يفنيه فلم يشأ سبحانه إفناءه ولكنه شاء تخليده وإبقاءه وأخبر بقدرته إن شاء على الإفناء كما قدر على الإبقاء، وأن أهل الجنة فيها بإبقائه لهم باقون فإنهم خالدون فيها أبداً لا يفنون وكما لا تفنى أرضهم فيها ولا سماؤهم فكذلك لا يفنى ما بقيت الجنة بقاؤهم والحمد لله الذي لا يخلف وعده ولا يَخلُد من الأشياء إلا ما خلَّده، ومثل هذا التفسير روي عن الفراء والزجاج.

  وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى الاستثناء في قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار في الأبد من غير استثناء؟

  قلت: هو استثناء من الخلود في عذاب أهل النار ومن الخلود في نعيم أهل الجنة وذلك لأن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده بل يعذبون في الزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله وخسأه لهم وإهانته إياهم، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعاً وهو رضوان الله ø ولهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو فهو المراد بالاستثناء.

  قال: والدليل عليه قوله تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ١٠٨} ومعنى قوله في مقابلته: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ١٠٧} أي أنه يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له فتأمله فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً.

  ولا يخدعنك عنه قول المجبرة إن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم، وما