(فصل): في معرفة الدليل لغة واصطلاحا
  المنطق واتبعهم أهل الجبر بأسرهم وكانت هي السبب في القول بالجبر وكثير من مسائل الخلاف.
  قال: ونحن نذكر من ذلك قاعدتين عليهما يدور مكرهم إحداهما أبطلوا بها مسائل التوحيد، والأخرى أبطلوا بها مسائل العدل.
  أما القاعدة الأولى فهي أنهم قسموا الأقيسة إلى يقيني وظني ومغالطي وشعري.
  قال: ولا حاجة بنا إلى ذكر المغالطي والشعري إذ لا فائدة فيهما.
  وأما الظني فهو عندهم ضربان: أحدهما: قياس التمثيل الذي نسميه قياس الغائب على الشاهد.
  والثاني: القياس الذي مقدماته سمعية من كتاب أو سنة.
  فتوصلوا بهذا إلى أن الكلام في إثبات الصانع عز وعلا وصفاته ظني لا يمكن العلم به، وإلى أن الكلام في أصول الشريعة ظني.
  وقد علمت أن جميع مسائل التوحيد مبنية على قياس الغائب على الشاهد، فانظر إلى هذه الخديعة التي اتبعهم فيها كثير من علماء الإسلام، وأقروا بأنه لا يمكن العلم بالله تعالى وصفاته حتى ذكر الرازي في محصوله مستدلاً على تكليف ما لا يطاق: أن الله تعالى أمرنا أن نعلمه في قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد: ١٩]، والعلم به غير مقدور لنا مع أن المعارف عنده ليست ضرورية.
  وأما اليقينية عندهم فهي الأقيسة التي مقدماتها معلومة ضرورة عندهم بشرط أن تورد على أحد الأشكال الأربعة التي يذكرونها في علم المنطق.
  قال: ولنورد على الشكل الأول مثالاً اقترانياً ومثالاً استثنائياً فالاقتراني نحو قولك: كل إنسان حيوان، ولا شيء من الحيوان بحجر ينتج: ولا شيء من الإنسان بحجر.
  والاستثنائي نحو قولك: كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، لكن