شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(باب): [في ذكر القيامة]

صفحة 305 - الجزء 4

  وقال # في موضع آخر من الإيضاح: وسألتم عن الجنة والنار أين هما؟ وهل خلقتا؟

  قال #: قد تكلم في ذلك الناس واختلفوا فيه فقال قوم: لم تخلقا، وقال آخرون: قد خلقتا. وأيهما قال به قائل فغير مأثوم لأن هذا ليس هو مما تعبد الله به خلقه ولا فرض على بريته معرفة النار والجنة أين هما من السماء وموضعهما منها لا يعلم الغيب إلا الله ولم يفترض ø إلا الإقرار بهما والتصديق بما فيهما.

  قال: وقد روينا في ذلك عن بعض السلف $ أن الجنة والنار قد خلقتا وأنهما فوق السماء السابعة، ورووا لنا في ذلك أن جبريل صلى الله عليه هبط ذات يوم على رسول الله # وهو متغير اللون فقال له: «ما لي أراك يا حبيبي على هذه الحالة؟ قال: إني أتيتك عندما أمر الله سبحانه بالنار فأوقدت حتى صارت أشد حمرة من الدم ثم أمر بها فأوقدت حتى صارت أشد بياضاً من الثوب الأبيض ثم أمر بها فأوقدت حتى صارت أشد سواداً من الليل المظلم، فوالذي بعثك بالحق ما يضيء نورها ولا ينظر لهبها ولو علق الله سبحانه شبراً من سلاسلها بين السماء والأرض لذابت السماء ومن فيها والأرض ومن عليها».

  قال: فخر رسول الله ÷ مغشياً عليه، فأقام وقتاً على تلك الحال فأنزل الله عند إفاقته: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ٣}⁣[الكوثر]، فكان هذا النهر هبة من الله سبحانه لنبيه وتطميناً لقلبه وإذهاباً لغمه.

  وقد قيل إن هذه السورة نزلت على رسول الله ÷ بمنى وفي السورة ما يدل على ذلك.

  فإن احتج محتج بقول الله ø: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}⁣[القصص: ٨٨]، فقال: فنحن نرى الجنة والنار يدخلان في هذه الآية ويهلكان إن كانتا قد خلقتا