(فصل): في معرفة الدليل لغة واصطلاحا
  (بالتدريج) الذي ذكرناه وهو كونها منبهة على أقوى طرق الفكر فهي في الدرجة الأولى في الدلالة وصح إطلاق اسم الدلالة عليها (كالدليل على كونه تعالى حياً) فإنه دليلٌ بالتدريج عند أبي هاشم وهو كونه قد صح منه الفعل وصحة الفعل مترتب على كونه تعالى قادراً والقادر لا يكون إلا حياً فصحة الفعل درجة أولى عنده، والقدرة درجة ثانية في الدلالة على كونه تعالى حياً.
  وهذا رد على أبي هاشم ومن تبعه.
  وأما الرد على غيره ممن ذكر فقد أوضحه # بقوله: (والظني إن كان كذلك) أي: مثيراً ومذكراً لنا بأقوى طرق الفكر (فصحيح) أي: فالاستدلال به صحيح.
  (وغير المثير) لدفائن العقول (دور) لتوقف معرفة الآيات الغير المثيرة والانقياد لحكمها على معرفة الله سبحانه والفرض أن معرفة الله سبحانه إنما حصلت بها، وهذا حقيقة الدور، فبطل الاستدلال على ثبوته تعالى بما لم يثر دفينة العقل سواء كان قطعياً أو ظنياً من الكتاب أو من السنة، وذلك واضح.
  قال الإمام يحيى #: المسائل العلمية بالإضافة إلى أدلة الشرع على ثلاثة أقسام: منها ما يستحيل حصول العلم فيها بواسطة أدلة السمع وهو كل ما كان العلم بصحة السمع متوقفاً على العلم به، فإنه لا يمكن تصحيحه بواسطة أدلة السمع، وهذا كالعلم بالله تعالى والعلم بكونه عالماً والعلم بحكمته وصدق صاحب الشريعة فإن هذه المسائل وأمثالها يستحيل حصول العلم بها من جهة السمع؛ لأن صحة السمع متوقف على العلم بها فلو صححناها بأدلة السمع كان دوراً.
  ومنها ما يستحيل حصوله إلا بواسطة أدلة السمع، وهذا كالعلم بالأمور الجائزة التي لا يحكم فيها العقل بوجوب ولا قبح فإن هذه الأمور لا طريق لنا إلى العلم بها إلا من جهة السمع وهذا كالعلم بأحوال الآخرة ومقادير الثواب