(فصل): في معرفة الدليل لغة واصطلاحا
  قلت: الذي ذكره هناك ما لفظه: وأما المقدمة الثانية وهو أن المحدث لا بد له من محدث فتقريره هو أن المحدث لا يخلو حاله إما أن تكون حقيقته قابلة للعدم أو لا تكون قابلة له.
  فإن لم تكن حقيقته قابلة للعدم لم تكن قط معدومة وكانت موجودة أبداً فهو إذاً واجب الوجود، وهذا محال؛ لأنه لو كان المحدث واجب الوجود لما سبقه العدم، وقد قررنا أن المحدث من معقوليته سبق العدم له فبطل أن يكون وجوده واجباً.
  وإن كانت حقيقته قابلة للعدم فهي أيضاً قابلة للوجود فلا بد من أمر من الأمور، ولولا ذلك لما كان ترجح أحد الطرفين على الآخر أولى من العكس والعلم بهذا ضروري أوَّلي.
  قال: وبيانه أنا لو فرضنا إنساناً سليم العقل لم يمارس شيئاً من علم الكلام ولا ألف طبعه شيئاً من هذه المجادلات، ثم عرض على عقله أن أمرين جائزي الحصول في أنفسهما ثم حصل أحدهما دون الآخر فإنه يضطر عقله إلى أنه لا بد من مرجح لوجود أحدهما على الآخر.
  وهكذا لو دخل برّيّة ثم لم ير فيها عمارة ثم دخلها مرة أخرى فوجد فيها عمارة رفيعة وأشجاراً مثمرة فإنه يضطر إلى العلم بأنه لا بد لتلك العمارة من بان وصانع وهكذا يقول في تلك الأشجار.
  فدل هذا على أن العلم بأنه لا بد من مرجح إنما هو ضروري لا محالة. انتهى كلامه #، وقد علم به أنه إنما أبطل تعليلهم في القياس العقلي بالحدوث وأن العلة الصحيحة فيه إنما هي جواز حدوثه وجواز عدمه فلا بد من أمر وأن العلم بذلك ضروري أوَّلي كما سبق لا ما ذكروه من الحدوث والله أعلم.