(فصل) في ذكر المؤثر وما اصطلح على تأثيره وهو غير مؤثر
  تعقله وقعوا في حيرة وضلال في ذات الباري تعالى لما قاسوا ذاته تعالى على سائر الذوات في العلل وما يجري مجراها لأنه ثبت عندهم في الشاهد أن هذه العلل تؤثر في صفات الأجسام، وثبت عندهم أن المؤثر بزعمهم في الصفة غير الموصوف كما أن العلة غير المعلول فإن الحياة علة مؤثرة في كون الحي حياً، والعلم علة مؤثرة في كون العالِم عالِماً، والعلم والحياة غير العالم وغير الحي وكذلك باقيها وثبت عندهم أن الصفة أمر متوسط بين هذه العلل والموصوف لا هي الموصوف ولا غيره شاهداً وغائباً فلما أن مهدوا هذه القاعدة وقد قرروا قاعدة قبلها أن ذات الباري تعالى مشاركة لسائر الذوات في الذاتية، وأن حقيقة الذات ما تعلم على انفرادها وبهذا جمعوا الذوات بالحد المنطقي ولم يمكنهم أن يجعلوا المؤثر بزعمهم في صفاته تعالى غيره فيلزمهم ما لزم بعض المجبرة.
  ولم يرضوا باتباع أئمة العترة $ والوقوف على حد العقل فيلحق بهم من النقص ما عابوه على العترة $ من القنوع بالجمل تكلفوا مذهباً متوسطاً بين الممكن والمحال وادعوا أنهم قد أحكموه بدقة أنظارهم وازدروا أقوال أئمة العترة $ ولم يهتدوا بما دل الله سبحانه عليه في كتابه وعلى لسان نبيه ÷ من قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى]، وقوله تعالى في جواب قول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ٢٣ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ٢٤}[الشعراء]، وقوله ø لنبيه ÷ حين سألته اليهود عن ذات الله فأنزل الله سبحانه عليه سورة التوحيد التي عظم الله أمرها وشرف قدرها، ولم ينبئ تعالى عن ذاته بشيء مما يوهم المشاركة له أو التصور أو التوهم.
  وقول علي # في خطبته الدرة اليتيمة: «فتبارك ربنا أن تحتاطه العقول أو يشار إليه بالتصوير متحيرة فيه الألباب ضالة فيه الأحلام تائهة فيه الأوهام».
  وقوله #: «لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس».