(فصل): في ذكر حقيقة الحد
  كثير من الطيور في إحكام بيوتها (فليس) حدهم (إذاً بمانع) من دخول غير المحدود فيه.
  قال #: (فإن قيل: فما شرحه) أي: شرح العالم أي: إيضاحه بلفظ أوضح قال: (قلت: هو من يمكنه إحكام الأشياء المتباينة) أي: المختلفة كل منها على حدة ونظمها على وجه الإحكام (وتمييز كلٍّ منها بما يميزه) عن الآخر.
  (أو: من أدرك الأشياء إدراك تمييز، وإن لم يقدر على فعل محكم) يعني أن من أمكنه إحكام الأشياء المتباينة وتمييزها فهو عالم وكذلك من أدرك تمييزها وإحكامها أي: عَلِمَهُ وإن لم يقع منه الفعل المحكم سواء كان ذلك لعجزه أو لاختياره ترك الفعل المحكم أو لغير ذلك في أنه يسمى عالماً وهو كذلك في الشاهد.
  ولعله # يريد بالعالم الذي هو عالم بعلمٍ كالمخلوق لأنه # أراد إبطال قول من حد العالم بأنه الذي يصح منه إيجاد الفعل المحكم وإثبات حد مطابق للمحدود الذي يصح حده وهو المخلوق فقط لأنه هو الذي يصح أن يحد بالمعنيين معاً إما بمعنى التصور أو بمعنى الشرح.
  وبدليل قوله: وإن لم يقدر على فعل محكم.
  لا يقال: إنه # أراد به شرح اسم العالم مطلقاً فيدخل في ذلك الشرح العالم بعلم والعالم بلا علم.
  لأنا نقول: لم يرد # ذلك لأن أحدهما حقيقة والثاني مجاز فالعالم حقيقة هو الله سبحانه والعالم بعلم مجاز وهو في الحقيقة معلَم فلم يشملهما اسم العالم والله سبحانه أعلم.
  واعلم أن المعتزلة قد ذهبوا في الذوات والصفات عموماً إلى حدها بالألفاظ الموضوعة لذلك المعروفة عندهم فحدوا الذات بأنها ما يصح العلم بها على انفرادها.
  وحدوا القادر بأنه: المختص بصفة لمكانها يصح أن يفعل وأن لا يفعل مع سلامة الحال.