(فصل): [في حدوث العالم]
  وقال أهل الإلحاد: إنه موجب، ثم اختلفوا: فقال أهل النجوم: التأثير لها ولحركاتها فقط، ولم يثبتوا غير ذلك.
  وقالت الدهرية: التأثير للدهر وهو قريب من الأول؛ إذ المرجع بالدهر إلى حركات الأفلاك.
  وقالت الطبائعية: بالطبع.
  وقالت الباطنية: إن ذات الباري تعالى عن ذلك علواً كبيراً علة قديمة صدر عنها السابق وصدر عن السابق التالي، وعن التالي النفس الكلية.
  وقالت الفلاسفة: المؤثر في العالم علة قديمة صدر عنها عقل واحد ثم تكثَّر هذا العقل إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة التي هي سبب لكل غال، ومنها تفرعت كل بدعة باطلة.
  قال في المعراج: ومثل ما ذكره القرشي ذكره قاضي القضاة حيث قال: لا يوجد من قال بنفي المؤثر في العالم جملة وتفصيلاً، وقال: إن القول بنفي المؤثر جملة يشبه مذهب السوفسطائية خلا أنه حدث جماعة من الوراقين وضعوا مقالة لم يذهب إليها أحد وقالوا: بأن العالم قديم ولا مؤثر فيه، ونصر هذا القول المتزندق ابن الراوندي، وهكذا ذكر الفقيه حميد وابن الملاحمي(١)، والذي عليه الجمهور أن الخلاف واقع في المؤثر جملة كما أنه واقع فيه تفصيلاً وأن من الناس من لم يثبت مؤثراً قط فقد روي نفي المؤثر عن الملحدة والدهرية والفلاسفة المتقدمين والطبائعية، وقال القاضي: لم تنف الفلاسفة القدماء إلا المؤثر المختار دون الموجب. انتهى.
(١) محمود بن الملاحمي مصنف المعتمد الاكبر من الطبقة الثانية عشرة من المعتزلة، من تلامذة أبي الحسين البصري. (المنية والأمل باختصار).