(فصل): في ذكر صفات الله العلي وأسمائه الحسنى
  وغير مشابه لمثله بأولى من العكس، ولا جعل بعض الأشجار حلواً ولا يبقى إلا وقتاً مقدراً معلوماً للانتفاع كما يحصد في عامه أو في بعض عامه، وما يبقى للانتفاع بثمره مدة طويلة وما يحتاج إلى مؤنة وما لا يحتاج إلى مؤنة وغير ذلك مما يكثر تعداده بأولى من العكس.
  وأيضاً لو كان التأثير كما زعموا لعنهم الله للعلة أو للأفلاك أو للطبع لما وجد شيء من الزلازل والرياح والصواعق وإنزال البرد ونحو ذلك مما ينزله الله سبحانه لتخويف عباده واعتبارهم في بعض الأوقات دون بعض، وفي موضع دون موضع؛ لأن العلة والنجوم والطبع لا اختيار لها ولا اختصاص ببعض الأزمنة دون بعض، وبعض الأمكنة دون بعض.
  فإن قيل: كيف تزعمون أن النطفة تصير بشراً بالصانع القادر ونحن نرى الولد لا يحصل إلا بعد اجتماع الذكر والأنثى، وحصول النطفة في قرار الرحم فإن كان الله تعالى خلقه فلم لم يخلق من غير هذا السبب لتكون الدلالة أقوى؟
  والجواب والله الموفق: أنه قد ثبت بالأدلة القاطعة أن الله سبحانه هو المركب للجنين والمصور له كيف يشاء تبارك وتعالى والذي يجب أن يبين هاهنا وجه الحكمة في إجراء ما أجراه من العادة فنقول: إن الحكمة فيه من وجوه: منها: أنه تعالى لو خلق البشر من غير هذا الوجه لبطل التعارف بالأنساب لأن التعارف بين الناس يحصل أكثره بأن يقال: فلان بن فلان، ولو خلق ابتداء لبطل هذا التعارف وفي بطلانه سقوط المعاملات والمصالح الكثيرة بين الناس، وقد نبه الله تعالى على ذلك فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات: ١٣].
  ومنها: لو لم يكن توالد لبطلت صلة الرحم وزال تعطف القرابات والتناصر