(فصل): في ذكر الإدراك في حق الله تعالى
  قال النجري: وهي أي: كونه مدركاً تشارك الصفات الأربع في الوجوب وتخالفها في كون تلك ثابتة في الأزل وكونه مدركاً متجددة إذ هي مشروطة بوجود المدرك.
  قلت: وهذا منهم متابعة للمعتزلة في خرصها وتوهمها؛ لأنه لا يعقل إدراك زائد على العلم إلا في المخلوق، وذلك لأن هذه المدركات في الشاهد لا تكون إلا بأعراض ركبها الله سبحانه في حاسة الإدراك كالعين والأذن والأنف واللسان والبشرة فهذه الحواس الخمس تدرك بما خلق الله سبحانه وتعالى فيها من الأعراض التي فطرها على إدراك المدركات.
  قال الإمام أحمد بن سليمان # في كتاب حقائق المعرفة: «ومثل ذلك يعني من العرض الضروري ما فطر الله عليه الحواس من الحس مما لا يكون اختياراً كما فطر الله الأذن على سماع الأصوات مما يريد سماعه ومما لا يريد، وكذلك البصر والشم والذوق إذا لم يكن للإنسان فيه فعل، فأما ما تعمده فهو من العرض الاختياري.
  قال: والذي يدل على أن الحس عرض أن الإنسان إذا نام لم تحس جوارحه شيئاً».
  قال: «وأيضاً فالحس لا يقوم بنفسه فصح أنه عرض لبطلانه ولكونه قائماً في سواه». انتهى.
  وإذا كانت هذه الحواس مخلوقة وما ركب الله فيها من الأعراض مجعولة تعرض وتزول ولا يعقل المخلوق هذه الإدراكات إلا بعرض حال في جسم فكيف يصح قياس الباري سبحانه وتعالى في الإدراك عليها تعالى الله سبحانه عن ذلك.
  وقولهم: إنها متجددة يناقض قولهم إنها تشارك الأربع في الوجوب لأن الواجب لذاته بزعمهم غير متجدد، وإنما إدراكه جل وعلا لجميع المدركات