(فصل): في ذكر الإدراك في حق الله تعالى
  بمعنى علمه بها لا يخفى عليه شيء منها.
  وبعضهم زعم أن الله تعالى لا يدرك الألم واللذة وهو أبو القاسم بن سهلويه(١)، قال: لأن الألم واللذة لا يدركان إلا بمحل الحياة في محل الحياة، وهذا محال في حقه تعالى.
  قال: ولأنه لا حكم لإدراك الألم إلا مع النفرة، ولا حكم لإدراك اللذة إلا مع الشهوة والله تعالى يستحيل في حقه الشهوة والنفار حكى هذا عنه الإمام يحيى # في الشامل، وأجاب عنه بجواب غير شاف.
  قلت: وهذا من أكبر الدلائل على خرص المعتزلة في هذه المسألة، وأجمعوا ما خلا البغدادية أن الإدراك أمر زائد على كونه تعالى عالماً، ثم اختلفوا في المقتضي للإدراك فسوى بعضهم في ذلك بين الخالق والمخلوق في كون هذه الصفة مقتضاة عن كونه حياً، وبعضهم فرق في ذلك فقال: المقتضي لها في الشاهد معنى كما يقولونه في القادرية والعالمية إنها صفة مقتضاة عن المعنى وفي الغائب كونه حياً ليس بذي آلة.
  وبعضهم يقول: كونه حياً لا آفة به، وهو قول أبي هاشم وأصحابه.
  (قلنا) رداً عليهم: (السميع حقيقة لغوية مستعملة لمن يصح) منه (أن يدرك المسموع بمعنى محله الصماخ) أي: ثقب الأذنين، (والبصير: حقيقة كذلك) أي: لغوية مستعملة (لمن يصح أن يدرك المبصر) أي: المشاهد (بمعنى محله الحدق) أي: العيون الجارحة.
  قال في الصحاح: حدقة العين سوادها الأعظم، والجمع حَدُق وحِدَاقٌ، قال أبو ذؤيب(٢):
(١) أبو القاسم بن سهلويه: من أهل العراق وكان يشار إليه في جودة البيان وقوة النظر، وكان حسن القراءة للقران، من الطبقة العاشرة من المعتزلة. (المنية والأمل باختصار).
(٢) خويلد بن خالد بن محرث، أبو ذؤيب، من بني هذيل بن مدركة، من مضر: شاعر فحل، =