شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[المقدمة]

صفحة 46 - الجزء 1

  و «إصباح» استعارة تخييلية؛ لأنه لما شبه العقول بالأنوار أخذ في التخيل لما يلازمها من النشر والإضاءة وغير ذلك؛ فلهذا سميت استعارة تخييلية، والاستعارة بالكناية لازمة للاستعارة التخييلية؛ لأنها قرينتها كما هو مذكور في موضعه من علم البيان، قال في الكشاف: من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرمزوا إليه بذكر شيء من روادفه؛ فينبهوا بذلك الرمز على مكانه نحو: شجاع يفترس أقرانه ففيه تنبيه على أن الشجاع أسد. انتهى.

  ويجوز أن يكون لفظ العقول باقياً على معناه الحقيقي ويراد بالإصباح العلم بالله سبحانه وغيره من سائر المعارف على جهة الاستعارة المصرحة؛ لأن تشبيه العلم والإيمان بالنور شائع كثير قال الله تعالى: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا}⁣[الشورى: ٥٢]، ويكون لفظ «فَلَقَ» ترشيحاً للاستعارة، وأضيف الإصباح إلى العقول؛ لأن العلم يحصل بسببها، قالوا: والاستعارة المصرحة أبلغ الاستعارات، قالوا: لما فيها من تناسي التشبيه وادعاء كون المشبه عين المشبه به، حيث أثبت له ما هو من خواص المشبه ولوازمه حتى كأن الإصباح والظلمة فيما نحن بصدده موجودان في القلوب تحقيقاً.

  فإن قلت: هلا جعلت قوله إصباح العقول تشبيهاً مؤكداً لا استعارة كما في قوله⁣(⁣١):

  والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء

  أي: أصيل كالذهب وماء كاللجين أي: الفضة.

  قلت: المعلوم أنه شبه العقول بالأنوار ولم يشبهها بالإضاءة ولا بالصبح الذي هو الفجر وإنما الإضاءة ونور الصبح وانتشاره من لوازم المشبه به ومن


(١) القائل هو أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالله خفاجة شاعر شرقي الاندلس: ولد بجزيرة شقر سنة ٤٥٠ وتوفي سنة ٥٣٣ هـ. (جواهر الأدب باختصار).