شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل: في الإشارة إلى ما يجب معرفته من ذات الله ø)

صفحة 480 - الجزء 1

  قال الفقيه محمد بن حسن بن معتق في رسالته التي أنشأها في سبب احتراق حرم المدينة: ولقد عظمت خطيئة من قال من المعتزلة والمتكلمين إن الله تعالى لا يعلم من ذاته إلا ما يعلمونه هم من غير مبالاة ولا مناكرة ولا محاباة مع قوله وهو أصدق القائلين: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}⁣[طه]، وقيل في ذلك:

  يا ضلة الغالين حيث توهموا ... ما لا يفوه به التقي المسلم

  قالوا إله العرش ليس بعالم ... من ذاته والوصف ما لم يعلموا

  هذي مقالة مَنْ هوى في متلفٍ ... وعليه ديجور الغواية مظلم

  انتهى.

  (قلنا: قال) الله (تعالى) في ذلك: ({يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}⁣[طه: ١١٠]،) أي: لا يحيطون بذاته علماً أي: لا يعلمون كنه ذاته تعالى بل قَصُر علمهم عن كثير من مخلوقاته فضلاً عن أن يعلموا كنه ذاته جل وعلا.

  (والله سبحانه قد أحاط بكل شيء علماً بمعنى: لا يغيب شيء عن علمه) بل هو تعالى العالم بكل شيء، عالم الغيب والشهادة، ومن جملة الأشياء المعلومة له تعالى ذاته جل وعلا، فهذا هو معنى إحاطته تعالى علماً بكل شيء، (لا كإحاطة الأسوار) وهي الجدرات المدورة المحيطة بما هو داخلها إذ تلك الإحاطة من صفات الأجسام الفانيات المحتاجة إلى الأمكنة والجهات والله سبحانه يتعالى عن ذلك.

  قال الإمام أحمد بن سليمان # في الحقائق: فإن قال قائل متعنّتٌ أو مستفيدٌ: إذا لم يكن يُرى ولا تُدركه الأبصارُ، فهل هو يرى نفسه؟ قلنا: إن كنتَ تعني بقولك: يَرى ذَاتهُ، أي: يعلمها فكذلك نقول. وإن كنت تريد: يرى نفسه سبحانه كما يَرى الواحدُ منا نفسه فلا؛ لأنا قد بيّنا أن ذاته غيرُ مرئيّةٍ، فلا يجوز أن يَرَى نفسه، كما يرى الراؤون المرئي.

  واعلم أنه يجب على كل مكلف أن يدفع وسوسة الشيطان إذا سول له