شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في الكلام على من أثبت الذوات في العدم

صفحة 499 - الجزء 1

  أحدهما بأن يكون جوهراً أو عرضاً أولى من الثاني.

  ولا سبيل إلى معرفة الفرق بينهما إلا بعد وجودهما، ولا فرق بينهما بعد وجودهما إلا بكون الجوهر محلاً، وكون العرض حالاً عارضاً حالةَ وجوده في غيره؛ ولذلك سمي عرضاً، ولا يعقل وجوده إلا حالاً في غيره، وما لم يعقل وجوده إلا في غيره لم يصح دعوى العلم به منفرداً؛ بدليل أن أحداً لو ادعى مشاهدة ذلك لعلم كذبه ضرورة، وكذلك الجوهر لا يعقل وجوده إلا مجتمعاً أو مفترقا، أو متحركاً أو ساكناً، فلا يصح دعوى العلم به منفرداً.

  قال: ومما يدل على بطلان قول المعتزلة في إثبات الذوات في العدم هو كون ذوات العالم بإجماعهم هي العالم والعالم محدث والحدث نقيض الأزل فيجب أن يستحيل الجمع بين وصف ذوات العالم بأنها محدثة وثابتة فيما لم يزل ولذلك فإنه يستحيل بإجماعهم وجود ذوات العالم فيما لم يزل فيجب أن يستحيل ثبوتها فيما لم يزل لعدم الفرق المعقول بين الثبوت والوجود.

  واعلم أنه يتفرع على هذه المسألة تسمية المعدوم شيئاً فمن أثبت الذوات في العدم سمى المعدوم شيئاً حقيقة، ومن لا فلا يسميه شيئاً حقيقة بل مجازاً كقوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ١}⁣[الحج].

  والذي احتج به أئمة أهل البيت $ أن المعدوم لا يسمى شيئاً قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ١}⁣[الإنسان].

  قال الهادي # في تفسيره: فمعنى: هل أتى أي: قد أتى ومعنى حين فهو الكثير الطويل من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً يقول لم يكن شيئاً يذكر في هذا الدهر الذي غبر حتى خلقناه من بعد طول الدهر وكوناه والمعنى فهو جميع الناس الذين خلقوا من بعد أن لم يكونوا، فأراد الإخبار لهم بأنه قد كون أولهم من بعد العدم.

  وقوله ø: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ٩}⁣[مريم].