شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في حكم أفعال العباد

صفحة 40 - الجزء 2

  يستحيل وجود أحدهما من غير مرجح.

  فإذا بطلت هذه الوجوه كلها لم يبق إلا الوجه الرابع وهو: أن الفاعل إنما يفعل أحد مقدوريه دون الآخر لأجل الداعي فإنه الذي يخصص أحدهما بالوقوع دون الآخر.

  قلت: قوله في الوجه الثالث: أو يوجد أحدهما من دون الآخر من غير مرجح وهذا محال أيضاً - مجرد دعوى من غير دليل على صحتها فلقائل أن يقول: التأثير في وجود الفعل للفاعل بواسطة القدرة ولا تأثير للداعي البتة فما المانع من وجود الفعل من القادر من غير داعي؟

  قال #: واحتج أصحاب أبي هاشم بأمور منها: أن تصور ماهية القادر وحقيقتها يمكن فهمها من دون داع ويفرض أيضاً وجودها في الخارج عارية عن الداعي.

  وإذا كان هكذا فلا يخلو إما أن يصح منه الفعل أو لا يصح: فإن صح منه وجود الفعل بطل القول بأنه مفتقر إلى الداعي، وإن لم يصح منه الفعل بطل معقول حقيقة القادر لأن القادر هو الذي يصح منه الفعل ولا خلاص عن هذا إلا بالقول بأن الداعي ليس شرطاً في وجود الفعل.

  ومنها أن الساهي والنائم يوجد الفعل من جهتهما من دون داعي فلو كان الداعي شرطاً لكان لا يصح وجود الفعل منهما.

  قال #: والمختار عندنا تفصيل نشير إليه يشتمل على مقصدين: أحدهما: أن الفعل لا بد فيه من اعتبار الداعية لما ذكره أبو الحسين وأصحابه.

  وثانيهما: أن الشيئين إذا تساويا في النفع ودفع الضرر فإن أحدهما لا يفتقر إلى مرجح زائد؛ لأن الهارب من السبع متى اعترض له طريقان متساويتان فإنه يسلك أحدهما من دون مرجح، وهكذا الجائع يأكل من أحد الرغيفين المتساويين من غير مرجح وكان أصل الداعي كافياً في وجود الفعل من غير