[إثبات أن الله تعالى خلق للعباد قدرة]
  قدرة الله بزعمهم، وإنما أثبتوا للعباد قدرة غير معقولة فراراً مما لزمهم من إنكار الضروريات ولم يفروا إلى منجى.
  (قلنا): إذا كان كما زعمتم (فلا فائدة إذاً فيها) بل لا تسمى قدرة لهم رأساً إذ هم غير متمكنين من الانتفاع بها.
  (ولنا) حجة على قولنا: (ما مر) من ثبوت الاختيار للفاعل المختار ووجود الفعل منه على حسب دواعيه وانتفاؤه بحسب صوارفه وكراهته.
  (و) لنا أيضاً (ما نذكره الآن إن شاء الله تعالى).
  وقالت (الصوفية والجهمية): إن الله (لم يخلق لهم قدرة البتة) بل الله يصرّفهم ويفعل بهم ما يشاء.
  (قلنا) رداً عليهم: لا يخلو الحال (إما أن يكون الله تعالى قادراً على أن يخلق لهم قدرة يحدثون بها أفعالهم) كما هو المعلوم قطعاً (أو) يكون جل وعلا (غير قادر) على ذلك.
  (ليس الثاني) من القسمين بكائن ولا واقع وهو أن يكون الله تعالى غير قادر؛ (لأن الله على كل شيء قدير) كما قد علم ذلك عقلاً وسمعاً، وقد مر الدليل عليه فلا يجوز أن يوصف سبحانه وتعالى بالعجز عن شيء من الأشياء.
  (وإن) كان القسم (الأول) هو الواقع والكائن وهو أن يكون الله تعالى قادراً على أن يخلق للعباد قدرة (فقد فعل سبحانه) وخلق لهم قدرة بها يتصرفون وبها ينتفعون وبها يعيشون وبها يُمدحون ويثابون ويكرمون (بشهادة ضرورة العقل) فإنه يقضي بتوجه المدح والثواب والذم والعقاب إلى العبد على فعله وما ذلك إلا لحكمه بأنه متمكن من الفعل والترك بما جعل الله له من القدرة والقوة على ذلك.
  (و) بشهادة (صريح القرآن حيث يقول) الله جل وعلا فيه: ({مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}[فصلت: ٤٦]) فصرح جل وعلا بأن العامل