(فصل): في الإرادة
  قلت: فعلى ما ذكرنا من أن الإرادة في حق الله سبحانه وتعالى مجاز فكلا المعنيين المتقدم ذكرهما في تفسير الإرادة في حقه تعالى واحد ولهذا قال الإمام # فيما سبق: وهذا عين ما ذهبنا إليه.
  وهو أيضاً مراد من يقول إن الله سبحانه مريد لا بإرادة كما أنه تبارك وتعالى عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة وحي لا بحياة وهذه الأقوال الثلاثة مختلفة في اللفظ متفقة في المعنى:
  الأول: أن إرادته تعالى هي المراد.
  الثاني: أنها علمه تعالى باشتمال الفعل على المصلحة.
  الثالث: أنه تعالى مريد لا بإرادة.
  وبيانه أن الله سبحانه مريد لا بإرادة لاستحالة حقيقة الإرادة في حقه تعالى كما سبق وقد ثبت كونه عليماً حكيماً فإذا علم كون فعله حكمة مشتملاً على المصلحة أوجده من غير تقدم ضمير وهمامة لاستحالتهما في حقه تعالى فصح إطلاق اسم الإرادة على علمه تعالى بحكميَّة الفعل لما كان علمه تعالى بحكمية الفعل سبباً في وجوده كالإرادة في المخلوق التي هي الضمير فإنها من أسباب وجود الفعل وصح إطلاق اسم الإرادة في حقه تعالى على المراد لما لم يكن بينه تعالى وبين مراده واسطة إرادة كما أن المخلوق ليس بينه وبين إرادته واسطة فعل فشبه مراد الله بإرادة المخلوق في عدم الواسطة وفي السرعة بل مراد الله سبحانه أسرع وأقرب وقد دل على هذا كلام الهادي # فيما سبق والله أعلم.
  فإن قيل: فهل تقولون إن الله سبحانه لم يزل مريداً كما تقولون إنه جل وعلا لم يزل عالماً وقادراً وحياً.
  فالجواب والله الموفق أن نقول: إن أردنا بالإرادة المراد على التفسير الذي مر لم نقل إنه تبارك وتعالى لم يزل مريداً كما لا نقول إنه جل وعلا لم يزل خالقاً ولم يزل متكلماً، وإن أردنا بالإرادة والكراهة هي علمه سبحانه باشتمال الفعل على مصلحة أو مفسدة