[فصل في وصف الله تعالى بأنه مريد]
  والجواب والله الموفق: أن نقول: قولكم إنه تعالى لم يزل غير ساه ولا غافل حق ولكن لا يلزم من ذلك أنه لم يزل مريداً إنما يلزم من ذلك أن يكون لم يزل عالماً، فإن أردتم بالإرادة والكراهة علمه باشتمال الفعل على مصلحة أو مفسدة فهو قولنا.
  وقولكم: لو لم يكن مريداً في الأزل لكان قد حصل مريداً بعد أن لم يكن، وذلك تغيُّرٌ ما مرادكم بالتغير؟
  إن أردتم أنه اتصف بصفة لم يكن متصفاً بها فهذا لا يسمى تغيراً لكونه خالقاً ورازقاً، وإن أردتم أن ذاته صارت غير ما كانت فهو باطل، وما دليلكم عليه؟
  وإن أردتم أن ذاته تعالى مقتضية للإرادة وعلة فيها فهو باطل بما أبطلنا به كلام المقتضية في صفات الله كما سبق تقريره.
  وقالت المعتزلة في الرد على النجارية والكلابية: لو كان مريداً لذاته أو لمعنى قديم لزم إيجاده جميع المرادات إذ لا اختصاص لذاته ببعضها دون بعض كما أنه لما كان قادراً لذاته وعالماً لذاته لم تختص ذاته بشيء من ذلك دون شيء فيلزم أن يريد المرادات كلها وإذا أرادها أوجدها لقدرته عليها دفعة وإرادة الضدين معاً لعدم الاختصاص.
  فإما أن يوجدا معاً وهو محال، أو أحدهما فلا اختصاص مع لزوم العجز وهو محال، وإذاً لاستحال خروجه عن هذه الصفة ككونه عالماً وقادراً لا سيما على مذهب الخصم في أنه لا يريد إلا الواقعات فيريد الإيمان من زيد ما دام يفعله فإذا كفر أو عجز أو مات خرج الباري عن كونه مريداً له.
  واعلم أنه إذا كان كلام النجارية كما قررناه عنهم من رواية الإمام يحيى # لم يتضح لي ما ذكره الإمام # في الرد عليهم بقوله: (قلنا: يلزم) من قولهم: (توطين النفس) إلا أن يريد أنهم إذا جعلوه جل وعلا مريداً لذاته فقد آل كلامهم إلى مثل كلام إخوانهم الكلابية والأشعرية والله أعلم.