(فصل) في تعلق الإرادة بالكائنات
  قال الإمام يحيى #: اتفق أهل القبلة على أن الله تعالى مريد لجميع أفعاله ما خلا الإرادة والكراهة فإنه قد خالف فيهما من قدمنا ذكره.
  ثم اختلفوا بعد ذلك فيما يريده الله من أفعال غيره وما لا يريده فذهب القائلون بالعدل من الزيدية والمعتزلة إلى أنه تعالى مريد لجميع الطاعات من أفعالنا ما حدث منها وما لم يحدث، وأنه تعالى كاره لجميع المعاصي ما حدث منها وما لم يحدث.
  وذهب سائر فرق المجبرة من الأشعرية والنجارية إلى أن الله تعالى مريد لجميع الكائنات طاعة كانت أو معصية وأنه لا كائن في عالمنا هذا إلا وهو متعلق بقدرة الله تعالى وإرادته، وأن سائر الفواحش كلها والمعاصي صادرة عن إرادته، وأن ما لم يحدث فإن الله تعالى لا يريده طاعة كان أو معصية. انتهى
  وأما المباحات فهي على وجهين: أحدهما: غير موصوف بالحسن وهذا كالحركة اليسيرة والكلام اليسير وهذا لا يريده الله ولا يكرهه. ذكره الإمام يحيى #.
  وأما ما كان يوصف بالحسن وهو ما لم يكن يسيراً من المباح نحو الأكل والشرب فقال أبو القاسم (البلخي) ومن تابعه: (و) هو تعالى أيضاً مريد (لفعل المباحات).
  قال: (لأن فعلها شاغل) لفاعلها (عن فعل المعصية).
  (قلنا) جواباً عليه: (ليس) فعل المباح مقصوداً لله ومراداً ولا مكروهاً وإن شغل عن فعل المعصية، وإنما المقصود لله تعالى هو ترك المعصية وهو يمكن ترك المعصية من غير اشتغال بمباح إذ ليس المباح (بنقيض لها) أي للمعصية حتى لا يمكنه ترك المعصية إلا بالاشتغال بالمباح.
  وحقيقة النقيض: ما ينقض أحدهما الآخر وهما لا يجتمعان ولا يرتفعان.
  (و) أما (ما ورد بصيغة الأمر منها) أي من المباحات نحو: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢]، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}[الأعراف: ٣١]، {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة: ١٠]، في بعض الأحوال (فإرادة الله تعالى) فيها إنما هي (لمعرفة حكمها) أي ليعرف المكلف حكم المباحات وأنه إن شاء فعلها وإن