شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل) في تعلق الإرادة بالكائنات

صفحة 86 - الجزء 2

  وهذا فاسد من أوجه ثلاثة:

  أما أولاً: فهذا تعسف بعيد، وخروج عن الظاهر لغير موجب، فإن سياق الآية دال على أن الإنكار عليهم والتوبيخ والتكذيب لهم إنما كان من أجل اعتقادهم أن الله شاء شركهم فهذا هو المفهوم من الآية.

  وأما ثانياً: فلأن قوله تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} على كلا القراءتين مشدداً ومخففاً من الكذب والتكذيب وهما لا يقالان لمن يستهزئ وإنما يقال ذلك لمن اعتقد الشيء وصمم على الجزم عليه، فكيف يقال إنهم ما كانوا يعتقدون ذلك؟

  وأما ثالثاً: فلو كان الإنكار عليهم والتوبيخ من أجل أن مقالتهم ما كانت عن اعتقاد بل على سبيل الهزء والتسخر كما زعم لوجب أن يقال: إن التهكم والتوبيخ على منكري القيامة والحشر والنشر وأحوال المعاد ما كان إلا لأجل أنهم ما كانوا يقولون ذلك عن اعتقاد بل على سبيل الهزء والسخر وهذا خطأ عظيم وضلال كبير.

  وقال في قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ٣٨}⁣[الإسراء]، فقال: إن المعاصي ليست بمكروهة وإنما هي منهي عنها وهذا مدافعة للنص وخروج عما تقتضيه الآية فإن الله تعالى صرح بكون هذه المعاصي مكروهة فكيف يقال: المراد بالكراهة النهي.

  وأيضاً فلو سلمنا أن المراد بالكراهة النهي فالنهي لا يتصور معقول حقيقته إلا بالكراهة فلا بد من كون المعاصي مكروهة.

  وأيضاً لو ساغ هذا التأويل لساغ للباطنية ما يقولون من تأويلات الظواهر والنصوص.

  وقال في قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}⁣[غافر: ٣١]: إنا نقول بموجب الآية فإن الله لا يتصور منه ظلم للعباد ولا يعقل صدوره من جهته بل كل ما فعله فهو عدل؛ لأنه تصرف في ملك نفسه.