شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل) في تعلق الإرادة بالكائنات

صفحة 87 - الجزء 2

  وهذا فاسد أما أولاً: فلو جاز حملها على ما ذكره لخرجت الآية عن الفائدة ولخلت عنها البتة لأنه إذا لم يعقل الظلم من جهته فلا معنى للتمدح بكونه لا يفعله ولهذا فإن المقعد لا يمكنه التمدح بترك الاطلاع على عورات الناس لما كان لا يمكنه ذلك، فلما تمدح بترك إرادة الظلم دل على أن الظلم ممكن من جهته وأنه لا يريده أصلاً.

  وأما ثانياً: فلأن الآية عامة فإنه نفى بظاهر الآية وصريحها إرادة الظلم لأحد من العباد سواء كان الظلم من جهته أو التظالم فيما بينهم فقد نفى أن يكون مريداً لشيء منه، وهذا ما نريده.

  وقال في قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}⁣[البقر: ٢٠٥]: إنا نقول بموجب الآية فإن عندنا أن الله لا يحبه ولكن لِمَ لا يريده؟ والفرق بين المحبة والإرادة أن المحبة هي الإرادة التي تلحقها تبعة والله تعالى يريد المعاصي إرادة ليس عليه فيها تبعة فلا يكون محباً لها وهذا فاسد، أما أولاً: فإن هذا من التعسفات الباردة فإن ظاهر الآية في قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}⁣[غافر: ٣١]، كما نفى أنه لا يريده بظاهرها فهكذا نفى أنه لا يحب الفساد لأنهما سِيَّان في القبح من غير حاجة إلى هذا التأويل فليس في الآية ما يشعر بما قاله فيجب أن يكون باطلاً.

  وأما ثانياً: فلا نسلم أن المحبة هي الإرادة التي تلحقها تبعة بل المحبة هي الإرادة لا غير فإذا نفى الله المحبة فقد نفى الإرادة في حق الفساد وأنه كما لا يحبه فهو لا يريده أيضاً.

  وقال في قوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}⁣[الزمر: ٧]: إن الرضا ليس هو الإرادة وإنما هو ترك الاعتراض عن الكفر، ومعنى الآية بزعمه: أن الله لا يترك الاعتراض على الكفر بل يعترضه وينكره على أهله.

  وهذا أيضاً فاسد: أما أولاً: فهو خروج عن ظاهر الآية، وعدول عن معناها بالكلية فيجب أن يكون مردوداً.