(فصل) في تعلق الإرادة بالكائنات
  وأما ثانياً: فلأن الرضا أمر ثبوتي فكيف يجوز أن يقال: إن المرجع به إلى ترك الاعتراض عن الكفر وهذا أمر سلبي والأمور الثبوتية لا يجوز الرجوع بها إلى الأمور السلبية؛ لأنه قلب لحقائقها وإبطال لمعانيها فلينظر الناظر تعسف هذا الرجل لصرائح هذه الآيات وإخراجه لمعانيها اللائقة بها، وما ذاك إلا محبة لسلفه وعصبية لمذهبه، والحق أحق أن يتبع. ذكر هذا كله الإمام يحيى # في الشامل.
  (قالوا) أي المجبرة: الله سبحانه وتعالى (مالك) لجميع عباده وسائر مخلوقاته والمالك (يتصرف في مملوكه) بما شاء وكيف شاء فلا يقبح ما أراده وفعله.
  قال ابن الخطيب الرازي في النهاية: قد تقرر أن الله تعالى موجد لجميع الحوادث وكل من كان موجداً لجميع الحوادث فلا بد وأن يكون مريداً لها فيلزم مما ذكرنا أن الله مريد لجميع الحوادث وهذا هو مطلوبنا.
  قال: وإنما قلنا: إن الله تعالى موجد لجميع الحوادث لما سيأتي مقرراً في خلق الأعمال فإنا سنبين أن الله تعالى هو المتولي لإيجادها والخالق لها وأنها متعلقة بقدرته.
  قال: وإنما قلنا: إن كل من كان موجداً للشيء فلا بد وأن يكون مريداً له فلما مضى تقريره في مسألة الإرادة من أن اختصاص الشيء بوجوده في وقت دون غيره وبوقوعه على وجوهه المختلفة لا يمكن إلا بالإرادة فإذاً يجب أن يكون الله تعالى مريداً لجميع الحوادث. انتهى.
  قالوا: (و) أيضاً قد ورد بذلك السمع حيث (قال تعالى): {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ) فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ١١٢}[الأنعام]، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس: ٩٩]، {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}[الأعراف: ١٧٦]، ونحوها من الآيات.
  (قلنا) رداً عليهم: (قولكم): إن الله سبحانه (مالك يتصرف في مملوكه) كيف يشاء (سب) عظيم منكم (لله تعالى) وذلك (حيث نسبتم إليه) تعالى