[وصف الله سبحانه بكونه متكلما]
  تحبسهم) عن فعل المعاصي فلا يقدرون على فعل شيء منها.
  فبين تعالى في هذه الآيات اقتداره على إكراههم وقسرهم وأنه تعالى قادر على ذلك (لكنه) تعالى (خلاهم وشأنهم) أي مكنهم من الفعلين ووكلهم إلى اختيارهم ولم يمنعهم من العصيان واتباع الشيطان ليتم التكليف ويحسن الأمر والنهي والثواب والعقاب، وكل ذلك لا يتم إلا مع كمال الاختيار وزوال القسر كما قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩].
  و (لأن أمامهم) أي قدامهم (الحساب) في يوم القيامة على القليل والكثير، والصغير من أعمالهم والكبير، (ومن ورائه) أي وراء الحساب (العقاب) الأليم والعذاب المقيم كما (قال) الله (تعالى): {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ٤٣}[إبراهيم].
  وكذلك معنى الآية الأخرى وما شابههما من الآيات وهي: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس: ٩٩]، أي ولو شاء لأكرههم على الإيمان ولقسرهم فيلجئهم إلى الإيمان بإنزال ملائكة يكرهونهم عليه كقوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ٤}[الشعراء]، ونحو ذلك، ولو فعل تعالى ذلك لبطل الثواب والعقاب وبطل التكليف.
[وصف الله سبحانه بكونه متكلماً]
  ومما يلحق بهذه المسألة(١) وصف الله سبحانه بكونه متكلماً فإنه قد وقع في كيفيته خلاف الأشعرية وغيرهم.
  قال الإمام يحيى # في الشامل: واعلم أنا قبل الخوض في مقاصد الباب نذكر الكلام في ماهية الكلام، والكلام في تلخيص محل النزاع.
(١) أي: بمسألة الإرادة وتوابعها. (من هامش الأصل).