(فصل) في تعلق الإرادة بالكائنات
  قلت: ولكلٍ حجج تركناها كراهة التطويل وعدم النفع فيها.
  وذكر الإمام أحمد بن سلمان في حقائق المعرفة ما لفظه: واعلم أن النطق بالكلام على وجهين: حكاية ومبتدأ، فالمبتدأ ما ينطق به الإنسان ويبتدعه من نفسه من الكلام.
  والحكاية هو ما ينطق به من كلام غيره من ذلك القرآن ففعله فيه الحكاية إذا تلاه والمحكي هو فعل الله تعالى.
  وكذلك ما حكي من كلام المتكلمين فذلك الكلام لمن ابتدعه وهو مفعول له لما حكاه كما أن البنَّاء والنحَّات والصانع والنسَّاج فعلهم التأليف والحركة والسكون وفعل الله الأجسام وهي مفعولهم وكذلك القراءة لهم فعل والقرآن مفعول لهم وهو فعل الله وهو عرض.
  واعلم أن العرض لا بد له من شبح لأنه لا يقوم بنفسه وشبحه في حال الكلام المتكلم وشبحه بعد ذلك الهواء؛ لأن الله قد فطر الهواء على حمل الأصوات إلى الآذان السامعات؛ لأن العرض لا يقوم بنفسه ولا يقطع المسافة وكذلك المصوِّت لا يقطع المسافة أيضاً بنفسه ولا يدخل في إذن السامع ولا ينتقل إليه فلما لم يمكن ملاصقة المصوت لإذن السامع ولا انتقاله إليه ولم يمكن قيام العرض بنفسه من غير شبح ولا قطع المسافة لم يبق إلا أن الهواء هو الذي حمله وهو شبحه، ومن هاهنا غلط قوم من الزيدية وهم المطرفية فإنهم قالوا: إن السامع لم يسمع الصوت ولكنه يسمع المصوت، وقالوا: لا يسمع القرآن وإنما يسمع القارئ.
  وقال بعضهم: ليس القرآن بحروف وإنما هو معنى في النفس، وقالوا: لم يفارق قلب الملك وقالوا: هذا القرآن إنما هو حكاية عنه ودليل عليه. انتهى.
  قلت: وسيأتي مزيد ذكر لما يخص الحروف عند ذكرنا لكلام الله تعالى. وإلى هنا انتهى بنا الكلام في وصف الله سبحانه بكونه متكلماً وصادقاً وما يتعلق بذلك.