(فصل): في بيان معاني كلمات من المتشابه
  وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٩}[يونس]، (أي يثيبهم) ربهم بسبب إيمانهم في حال جري الأنهار من تحتهم، والمعنى أنه أوصلهم إلى مطلوبهم وقضى لهم بالفوز بما أعطاهم وأكرمهم لأنها وردت في شأن أهل الجنة.
  ومن هذا المعنى: قول زهير بن أبي سلمى:
  عظيمين في عليا معد هديتما ... ومن يستبح كنزاً من المجد يعظم
  يريد بذلك ظفرهما بما أصابا من المجد وجميل الذكر بإصلاح ما شجر بين عبس وذبيان وتحملهما لما تحملاه من الحمالة من أجل الصلاح.
  وقول ابنه كعب(١) بن زهير:
  مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة الـ ... ـالقرآن فيه مواعيظ وتفصيل
  أي: قضى لك بالظفر والفوز بنيل المراد وهذا المعنى كثير مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٥}[الصف]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ}[النخل: ١٠٤]، كذا ذكره الإمام يحيى # وهو الحق.
  قال: ومتى جرى في كلام أصحابنا أن الهدى يستعمل في معنى الإثابة فهو تقريب والتحقيق أنه بمعنى الظفر بالبغية والفوز بالمطلوب لأن غرضنا بيان معانيها اللغوية والمستعملة في لسانهم ولم يكونوا مقرين بالمعاد الأخروي ولا قائلين بثواب ولا عقاب. انتهى.
(١) كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني، أبو المضرب: شاعر عالي الطبقة، من أهل نجد، له «ديوان شعر - ط» كان ممن اشتهر في الجاهلية. ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وأقام يشبب بنساء المسلمين، فهدر النبي دمه، فجاءه كعب مستأمنا، وقد أسلم، وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» فعفا عنه النبي ÷ وخلع عليه بردته. [مات سنة] ٢٦ هـ. (الأعلام للزركلي باختصار).