(فصل): في بيان معاني كلمات من المتشابه
  وقيل: معنى الآية الأولى يهديهم ربهم، أي: يسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك السبيل المؤدي إلى النعيم وجري الأنهار من تحتهم لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها.
  (و) قد يكون الهدى (بمعنى الحكم والتسمية) كما (قال الشاعر):
  ما زال يهدي قومه ويضلنا ... جهراً وينسبنا إلى الفجار)
  أي يحكم على قومه بالهدى ويسميهم به ويحكم علينا بالضلال ويمسينا به وينسبنا إلى الفجار.
  ومنه قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦].
  إذا عرفت ذلك (فيجوز أن يقال) في معنى قوله تعالى: ({إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ١٠}[الأحقاف]، بمعنى لا يزيدهم بصيرة) ولا تنويراً في قلوبهم (لما لم يتبصروا) أي يعملوا بموجب البصيرة والهدى من الطاعة واجتناب المعصية بل آثروا الهوى ورفضوا الهدى فلم يزدهم هدى لعلمه أنه لا ينفع فيهم بل خلاهم وشأنهم.
  (أو) يكون معنى: لا يهديهم (لا يثيبهم) لعدم استحقاقهم الإثابة.
  ومثل هذا ذكره الهادي # حيث قال: الهدى هُدَيان: هدى مبتدأ وهدى مكافأة.
  فأما الهدى المبتدأ: فقد هدى الله به البَرّ والفاجر، وهو العقل والرسول والكتاب. فمن أنصف عقله وصدق رسوله وآمن بكتابه وأحل حلاله وحرم حرامه؛ استوجب من الله الزيادة بالهدى الثاني؛ جزاءً على عمله، ومكافأةً على فعله، كما قال ø: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: ١٧]، وقال: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}[مريم: ٦٧].
  ومن كابر عقله وكذب رسوله ورد كتابه - استوجب من الله الخذلان، وتركه من التوفيق والتسديد، وأضله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة،