(فصل): في بيان معاني كلمات من المتشابه
  قالت العدلية: والمراد بذلك خلقه سبحانه لمخلوقاته ومن ذلك خلق آلات الفعل والقوة والقدرة على تحصيل الفعل، فالنعم كلها في الدنيا والجنة خير قضائه وقدره وشرار ما خلق من الشياطين ونحو الحيات والعقارب والآلام في الدنيا والنار في الآخرة وأنواع العذاب شر قضائه وقدره.
  وما حكم به من الخير نحو قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء: ٢٣]، هذا من خير قضائه وقدره ورضاه سبحانه وثوابه من خير قضائه وقدره وما حكم به من الشر على من أوجبه عليه نحو قوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ٦٠}[الحجر]، وقوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ٥٧}[النمل]، وسخطه وعذابه سبحانه وهذا من شر قضائه وقدره ثم افترقوا فذهب آل محمد ومن وافقهم إلى أن أفعال العباد منهم وأن الطاعات منها كائنة منهم بقضاء الله وقدره بمعنى أن الله أمرهم بها وحكم عليهم أن يفعلوها كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء: ٢٣]، لا أنه فعلها سبحانه والمعاصي مما سخط الله سبحانه وليس هي من فعله سبحانه.
  وقالت الأمورية وسائر المجبرة: إن أفعال العباد ليست منهم وإنما هي فعل الله الذي هو قضاؤه وقدره ونسبت أفعالها إلى قدر الله الذي هو فعله، وأنكرت ضرورة العقل ومحكم الكتاب في ذلك حيث قال سبحانه {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ٦٣}[المؤمنون]، ونحوها من محكم الكتاب.
  وقال الله سبحانه: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧].
  وقالوا: بل رضي لهم الكفر لما كان بقضائه إذ خلقه فيهم وبالجملة فإنهم جعلوا رسل الله وكتبه وأوامره ونواهيه في حكم ما هو باطل من الأمر بأن يفعلوا ما لم يمكن من أفعالهم كأن يأمر الطويل بالقصر والعكس فأبطلوا أحكام الله وشرائعه وإرسال الرسل وبرأوا نفوسهم وبرأوا إبليس لعنه الله ونسبوا قبائحهم إلى خالقهم تعالى عن ذلك. انتهى.