شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[المقدمة]

صفحة 72 - الجزء 1

  فرط جهالاتهم أقماهم الله تعالى شبه باطل قولهم بالشيء المحسوس الضار كالسم ونحوه الذي يكون في الدَّحل وهو الهُوَّة أو في الغيابة وهي قعر البئر وقعر الوادي وهو مع ذلك مستور بثياب سود، وشبَّه الشُّبَه التي زعموا أنها أدلة عليه بالمسوح السود والغيابات والأدحال المظلمة، والجامع بين المشبه والمشبه به خشية الضرر ويسمى إطلاق لفظ المشبه أعني ضئيل الأقوال على المشبه به وهو السم الموصوف بما ذكر استعارة بالكناية؛ لأنه كنى بذكره فأريد به المشبه به وقيل: بل التشبيه المضمر في النفس يسمى استعارة مجرد تسمية فقط ويسمى إثبات المسوح وكشفها وغيابات الظلم استعارة تخييلية لأنها مما يلائم المشبه به والاستعارة التخييلية لازمة للاستعارة بالكناية لأنه لا يفهم الاستعارة بالكناية إلا بها، ولا يخفى ما في هذه الاستعارات كلها من المناسبة والفصاحة والبلاغة وبراعة الاستهلال والله أعلم.

  (لإزاحته) أي: لإزالة ذلك الضئيل من أقوال أهل الباطل (بإشراق ما حضرني) أي: بضياء ما كان حاضراً عندي (من بدور أقوال أعلام خير الأمم) أي: من كلامات من هم كالأعلام في هذه الأمة التي هي خير الأمم لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...} الآية [آل عمران: ١١٠]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}⁣[البقرة: ١٤٣]، أي: خياراً، قال زهير⁣(⁣١):

  هم وسطٌ يرضى الأنام بحكمهم ... إذا طرقت إحدى الليالي بمعظم

  وأعلام خير الأمم هم آل محمد صلى الله عليه وعليهم ومن وافقهم من علماء الإسلام ¤. شبه أقوال الأعلام المذكورين بالبدور المشرقة في الوضوح


(١) زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، من مضر، ولد في بلاد (مزينة) بنواحي المدينة، وكان يقيم في الحاجر (من ديار نجد) قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمى (الحوليات)، أشهر شعره معلقته التي مطلعها: (أمن أم أوفى دمنة لم تكلم). (الأعلام للزركلي باختصار).