[ذكر ما تعلق به المجبرة من الشبه السمعية والجواب عليهم]
  السَّمَاءِ}[الأنعام: ١٢٥]، وقوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦]، وقوله تعالى: {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ١٧}[الكهف]، وغير ذلك مما فيه ذكر الضلال.
  والجواب عما أوردوه من هذه الآي والله الموفق يجري على منهجين:
  الأول منهما جملي وفيه مقامان: أحدهما جدلي وحاصله أنا نمنعهم عن الاستدلال بالسمع ونقول لهم إنكم معاشر المجبرة مع اعتقادكم إضافة كل قبيح إلى الله تعالى وإسناد كل واقعة إلى قدرته وإرادته لا يمكنكم التمسك بشيء من كلامه ولا بكلام رسول الله ÷ ولا يمكنكم الرجوع إلى شيء من الأدلة الشرعية؛ لأن الله تعالى إذا كان فاعلاً للقبائح لم تأمنوا أن يكون الله تعالى لم يرد بخطابه معنى من المعاني المفهومة بل تكلم به على جهة الهذر(١) واللعب أو يكون أراد به معنى استأثر بعلمه في الأزل ولم يجعل لنا إلى العلم به طريقاً أو يكون أراد به معنى غير ما ذهبتم إليه فإذا كانت هذه الاحتمالات لازمة لكم على نفس مذهبكم فكيف يمكنكم الاستدلال بالأدلة الشرعية والحال هذه وكفى بهذا المذهب سخفاً على معتقديه وشناعة على منتحلية.
  وثانيهما نظري وتقريره: أنا نقول: هب أنا سلمنا لكم صحة الاستدلال بالأدلة الشرعية لكنا نقول: الأدلة العقلية ليس يخلو حالها إما أن تكون محتملة للخطأ أو لا تحتمله.
  فإن كانت محتملة للخطأ لزم من تطرق احتمال الخطأ إليها تطرق احتمال الخطأ إلى الأدلة الشرعية؛ لأنه لا يمكن القطع بكون الأدلة الشرعية حجة إلا بالعقل وأدلته لكن(٢) القدح في الأصل يتضمن القدح في الفرع.
(١) هذر في منطقه بالذال المعجمة يهذر ويهذر هذراً، والاسم منه الهذر بالتحريك وهو الهذيان. (صحاح). (من هامش الأصل).
(٢) أي: لأن. (من هامش الأصل).