شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في الدلالة على أن الله تعالى عدل حكيم

صفحة 162 - الجزء 2

  قلت: ويمكن أن يجاب بأوضح من هذا فيقال في معنى الآية: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ} أي من يرد توفيقه بزيادة البصيرة وتنوير القلب وهو المؤمن الذي أطاع الله سبحانه وعظَّم حقه واستحيا منه جل وعلا حق الحياء باتباع أوامره والانزجار عن مناهيه فهذا هو الذي يريد الله هدايته أي زيادة بصيرته بتنوير القلب وإذا أرد الله شيئاً كان فإرادته مراده جل وعلا.

  وقوله ø: {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} أي يوسع صدره أي ينور بصيرته بمحبة الطاعات واجتناب المقبحات وتعظيم حق الله سبحانه عليه وهذا هو معنى زيادة البصيرة عبر سبحانه وتعالى عن ذلك بشرح الصدر أي سعته مجازاً وهو على طريقة قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}⁣[الأنفال: ٢٩]، وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}⁣[العنكبوت: ٤٥]. وقوله ø: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} أي: ومن عصا الله سبحانه باتباع هواه ورفض هداه واطراح أدلة عقله وانقياده لدواعي غيه وجهله سلبه الله سبحانه ذلك التوفيق وتنوير بصيرة قلبه وخلاه وشأنه ووكله إلى نفسه على طريقة قوله تعالى: {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}⁣[النحل: ١٠٨]، {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ}⁣[الجاثية: ٢٣]، فعبر الله سبحانه عن سلب ذلك اللطف بضيق الصدر وحرجه مجازاً وليس سعة الصدر وضيقه في هذه الآية حقيقة وذلك واضح كما ترى، ويدل عليه آخر الآية وهو قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ١٢٥}⁣[الأنعام]، وله نظائر من القرآن كثيرة.

  وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ٢٦}⁣[البقرة]، فقال صاحب الكشاف: إن الله تعالى لما ضرب مَثلَ البعوضة فَضَلَّ به قوم واهتدى به آخرون صار إسناد الضلال والهدى إلى الله مجازاً أي ضلوا عند ضرب المثل كما قال تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}⁣[إبراهيم: ٣٦]، أي ضل عندهن فالضلال في الحقيقة من عند أنفسهم.