(فصل): في الدلالة على أن الله تعالى عدل حكيم
  وقال غيره: المراد بالضلال في هذه الآية الهلاك والعقوبة، وبالهداية الفوز والنجاة، ومثل هذا يكون معنى الآية الثالثة وهي قوله تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}[النساء: ٨٨]، والمعنى أتريدون نجاة من هو عند الله هالك. ذكره الإمام يحيى #.
  قال: ويحتمل أن يكون المراد بالهدى هاهنا ما ذكره بعض المتكلمين وهو الإرشاد إلى طريق الجنة وبالضلال الإغواء عنها في الآخرة مدة القيامة والمدة التي يقيمون فيها طويلة والشأن فيها عظيم.
  قال: ويؤيد ما ذكرنا من هذا التأويل: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ١٦٨ إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ}[النساء]، فيكون المعنى: أتريدون أن ترشدوهم إلى طريق الجنة وهم قد استوجبوا النار.
  قال: فأما حمل الضلال في هذه الآية على الحكم والتسمية فهو ضعيف لم يرد وقد أنكر ابن قتيبة(١) على أبي عمر(٢) الجرمي استشهاده ببيت طرفة حيث قال:
  فما زال شربي الراح حتى أشرَّني(٣) ... صديقي وحتى ساءني بعض ذلكا
  على صحة هذا المعنى، وقال: إن المراد بقوله: أشرني أظهرني يقال شررت
(١) عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد: من أئمة الأدب، ومن المصنفين المكثرين. ولد ببغداد [سنة] ٢١٣ هـ وسكن الكوفة. ثم ولي قضاء الدينور مدة، فنسب إليها. وتوفي ببغداد [سنة] ٢٧٦ هـ. من كتبه تأويل مختلف الحديث وأدب الكاتب والمعارف. (الأعلام للزركلي باختصار).
(٢) أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي النحوي، كان فقيهاً عالماً بالنحو واللغة، وهو من البصرة وقدم بغداد، وأخذ النحو عن الأخفش وغيره، ولقي يونس بن حبيب ولم يلق سيبويه، وأخذ اللغة عن أبي عبيدة وأبي زيد الأنصاري والأصمعي وطبقتهم، كانت وفاته سنة خمس وعشرين ومائتين. (وفيات الأعيان باختصار).
(٣) (شررت الثوب) بسطته في الشمس وشررت الإقط أشره شراً إذا جعلته على خصفة ليجف. تم صحاح. (من هامش الأصل).