شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): يذكر فيه # بيان وجه الحكمة في خلق المكلفين وسائر المخلوقين وما يتصل بذلك

صفحة 170 - الجزء 2

  {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٥ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ٧}⁣[النحل]، وغيرها من الآيات.

  وإما ديني وهو الاعتبار في خلقها قيل: وقد يقصد بخلق بعض المكلفين نفع غيره تبعاً لنفع نفسه بالتفضل عليه، (وفي كل حيوان اعتبار) أي وفي خلق كل حيوان اعتبار لمن نظر فيه وتفكر أي دليل على الله سبحانه وربوبيته وعدله وتوحيده، وقد أشار إلى ذلك من قال:

  وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد

  (وإباحة الله بعض الحيوان) بالذبح والأكل (لبعض) كما أباح لنا (نحو المذكيات) من المواشي وغيرها (و) كذلك (التخلية) بين بعض الحيوان والبعض الآخر (حسنة) من الله تعالى (لما كانت لمصالح لها) أي للمذكيات ونحوها مما خلى الله سبحانه بينه وبين ما قتله من سائر السباع والطيور ونحوها، وتلك المصالح (يعلمها الله تعالى)؛ لأنه سبحانه الحكيم العليم بما تقرر من الأدلة على ذلك.

  (فهي) أي الإباحة والتخلية (كالفصد) الذي يصار إليه لدفع مضرة أعظم أو لجلب منفعة تدفع ألم الفصد وتزيد عليه.

  قال الإمام أحمد بن سليمان # في الحقائق: اعلم أنه لما ثبت أن المنعم حكيم وثبت أنه لا يفعل قبيحاً ثبت أن إظهار الحسن وإيجاده حسن، فإذا ثبت أن إيجاد الحسن حسن وثبت أن الله لا يفعل قبيحاً ثبت أن إيجاد الله للعالم حسن ولما ثبت أن الله تعالى غني عن العالم ثبت أنه لم يخلقه لنفسه لا بل خلقه لعبادته نعمة منه وتفضلاً.

  فصح أن الله [تعالى] خلق العالم نعمة وتفضلاً، وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ٥٧