شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): يذكر فيه # بيان وجه الحكمة في خلق المكلفين وسائر المخلوقين وما يتصل بذلك

صفحة 171 - الجزء 2

  إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}⁣[الذاريات]، فأخبر أنه ما خلقهم له وأخبر أنه غني عنهم.

  وكذلك هو غني عن عبادتهم ونفعها لهم لا له فلما أمرهم بالعبادة وأعطاهم الاستطاعة عليها قبل وجوب الأمر ثم أثابهم عليها وضاعف لهم الثواب صح أن التعبد نعمة وتفضل منه ابتدأ به عباده المكلفين فصح أن الله ما خلق الخلق إلا نعمة وتفضلاً على عباده فكان إظهاره للحكمة ابتداء منه بالنعمة.

  قال: واعلم أنه لا يوجد شيء من خلق الله إلا وفيه نعمة لبعض خلق الله تفضل الله بها عليه وكذلك لا يفطر العبد على فطرة إلا وفيها له نعمة من الله ولا يؤمر بأمر إلا وله فيه نعمة ولا ينهى عن شيء إلا وفي تركه له نعمة معجلة أو مؤجلة من ذلك خلق الهوى وما جعل الله فيه من السعة والصفاء وكونه مكاناً للكبير والصغير من الحيوان والجماد، وما جعل الله فيه للعبد من المنافع والمصالح والمواد.

  وجملة الأمر أن من فارق الهوى مات ومن ذلك خلق السماء وسعتها وبعدها وموافقة نورها للأبصار، وما جعل الله فيها من الأفلاك والشمس والقمر والنجوم لصلاح الحيوان.

  إلى أن قال: ومن ذلك خلق الأرض وما جعل الله فيها من الطول والعرض وجعل جبالها أوتاداً لئلا تميد بأهلها وجعل الإنسان مُخَوّلاً لحزنها وسهلها وبث فيها من كل دابة وجعل فيها من الفواكه والكروم والزروع والنخيل والأعناب وصنوف المعاش والأرزاق وجعل ذلك مادة ونعمة للإنسان، ومن ذلك خلق الإنسان فإن الله خلقه من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم نقله في بطن أمه من حالة إلى حالة ثم أحدث له رزقاً في ثدي أمه لبناً خالصاً سائغاً موافقاً للطفل، ثم أحدث الله له الرحمة في قلب أمه وقلب أبيه رحمة من الله ونعمة، فإذا علم الله أنه قد قوي على أكل الطعام أحدث له أسناناً وأضراساً.