شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر الآلام وما في حكمها

صفحة 177 - الجزء 2

  أضافوا الألم إلى الشيطان وتعلقوا بظاهر قوله تعالى حاكياً عن صفة أيوب #: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ٤١}⁣[ص]، وجهلوا تفسير هذه الآية ولم يرجعوا إلى ورثة الكتاب في تفسيرها، وهذا القول يدخل في مقالة المجوس.

  قال: والذي يدل على بطلان قول أهل هذه المقالات جميعاً أن هذه الامتحانات حوادث ولا بد لكل محدَث من محدِث.

  والذي يدل على أنها حوادث أن لوجودها أولاً وذلك معلوم بالمشاهدة.

  والذي يدل على أن المحدث لا بد له من محدث قد تقدم في إثبات الصانع سبحانه وتعالى بما لا سبيل إلى دفعه.

  قال: فإن قيل: ما أنكرتم من حصول هذه الامتحانات من جهة القادرين بقدرة؟

  قلنا: أنكرنا ذلك لأنها لا تدخل تحت إمكانهم ولا تحصل بحسب إرادتهم ولا تنتفي بحسب كراهتهم وتلك خواص أفعالهم ولأنهم لو قدروا عليها لقدروا على أضدادها، ولأن القدرة على الشيء هي القدرة على ضده بدليل أن القدرة على الحركة قدرة على السكون ولهذا يصح من أحدنا أن يفعل أحدهما بدلاً من الآخر.

  وأما أنهم لا يقدرون على أضدادها فلأنا نعلم من العليل أنه مجتهد في برء نفسه فلو كان البرء مقدوراً له لما أخره ساعة واحدة خاصة منا لقلة صبرنا، فأما الأنبياء $ فقد كانوا يختارون الصبر على الألم واحتمال المشاق رغبة في عوض الآخرة وإلا فكان يدخل تحت مقدورهم الدعاء إلى الله برفع الألم عنهم، ألا ترى إلى أيوب # وتأخيره للدعاء حتى بلغ به الجهد كل مبلغ.

  فأما أن أحداً من القادرين بقدرة يمكنه دفع الألم عن نفسه بحوله فلا سبيل لأحد إليه.

  فإن قيل: فما أنكرتم أن تكون هذه الآلام حصلت بتأثيرات الطبائع وإحالات الأجسام وانحراف الأمزجة كما ذهب إليه الطبائعية ومن طابقها.