شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في أحكام العوض

صفحة 208 - الجزء 2

  جميع قوام حياتها وإلهامها لمنافعها ومضارها ولذات نعيمها ومسارها قد كفيت أسباب أرزاقها وسُهِّل لها جميع أرفاقها لعلم الصانع الحكيم بضعفها عن احتيال الأرزاق وتكلفها فأغناها ø من سعة فضله وكفلها بأنواع لطفه.

  إلى قوله #: وأما ما ينال الآدميين من ضرر الهوام فما هو إلا كسائر الآلام وما السم إلا سقم من الأسقام وعلة من علل الأجسام ومحنة من محن ذي الجلال والإكرام يعظم فيها الأجر للمسلمين ويجل فيها ثواب المؤمنين وتخويف من رب العالمين وموعظة لعباده الموقنين وحجة ونقمة للفاسقين وعقوبة للفجرة الظالمين؛ لأن الألم يدعو إلى ذكر الموت والفناء ويزهد ذوي الألباب في الدنيا فيدعوهم الخوف إلى الإقصار عما يولج في عذاب النار فهذه حكمة من حكم رب الأرباب يستحق الشكر عليها من ذوي الألباب.

  مع أنه ø يثيب المؤمنين على أمراضهم وأسقامهم أكثر مما يثيبهم على صحتهم، فالحمد لله الذي جاد علينا بمواعظه، وجعل الرحمة في محنه ورحمته فيا لها محناً جسمت، ونعماً جلت وجسمت، ونعمة بانت وعظمت.

  وإذا كان في البهائم لله حكمة وكان عليها منه نعمة وكان قد آلمها بأنواع الآلام وامتحنها بالموت والأسقام فلا بد لها في الآخرة من نعيم لا يبلى إذ كان في إيلامه لها عدلاً وإذا كان بالبهائم الخرس رحيماً وكان في أمورها عدلاً حكيماً فكيف بمن عرفه من أوليائه وأيقن بثوابه ولقائه وأحب وأبغض فيه وهجر في بغضه مبغضيه، وصافى في محبته محبيه ووالى فيه من يواليه وعادى وناصب من يعاديه.

  فرحم الله عبداً اتصل بمولاه، وذل له ولمن والاه، وقطع فيه جميع من عاداه، ولم يركن إلى غرور متاع دنياه.

  وقد بلغنا عن بعض أهل الحيرة والعمى ومن لم يعط من التوفيق عطية الحكماء أنه زعم أن البهائم تكون بعد الحشر تراباً، ولا يجعل الله لها على ألمها ثواباً وإنما يقول هذا من جهل حكمة الواحد الرحمن، ولم يوقن برحمته حقيقة