شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر ما امتن الله به من الروح

صفحة 232 - الجزء 2

  البدن ولا يميت الروح وكل سيموت؟

  فأما معنى خبر الله من إحياء الروح فإن ذلك بحكمة الله وفضله وما اراد من الزيادة في كرامة المؤمنين وأراد من الزيادة في عذاب الفاسقين فجعل الأرواح حية باقية إلى يوم الدين ليكون روح المؤمن بعد فناء بدنه بالبشارات والسرور والنعيم والحبور بما يسمع من تبشير الملائكة بالرضا والرضوان من الواحد ذي الجلال والسلطان وما أعد له من الخير العظيم والثواب الجسيم كل ذلك يتناهى إليه علمه ويصل به من ربه فهمه فيكون ذلك زيادة في ثوابه، ومبتدأ ما يريد الله من إكرامه حتى يكون يوم القيامة المذكورة ثم ينفخ في الصور النفخة الأولى فيقع بهذا الروح من الموت ما يقع بغيره في ذلك اليوم فيموت ويفنى كما فني البدن أولاً.

  وكذلك تدبير الله في إبقاء روح الكافر بعد هلاك بدنه لما في بقاء روحه عليه من الحسرة والبلاء بما يعاين ويوقن ويبلغه من إخبار الملائكة وذكرها بما أعد الله له من الجحيم والأغلال والسعير وشرب الحميم وما يصير إليه غداً من العذاب الأليم فروحه في خزي وبلاء وحسرات يدوم ولا يفنى وحلول العويل به والشقاء فيكون ذلك زيادة في عذابه وبلائه ومقدمة لما أراد الله من إخزائه حتى ينفخ في الصور فيحق بهذا الروح ما حق بغيره من الفوت ويواقعه ما واقع جسمه من الموت ثم ينفخ النفخة الثانية من بعد موت كل شيء وهلاك كل حي ما خلا الواحد الفرد الصمد المميت الذي لا يموت، المحيي الذي لا يخشى من شيء فوتاً.

  ولو كانت الأرواح تموت مع موت الأبدان لكان في ذلك فرج وراحة للكفار وغفلة وفرحة للأشرار ولكان ذلك غماً وكآبة على المؤمنين ونقصاناً وتضعضعاً لسرور الصالحين فافهم ثاقب حكمة الله وتقديره وصنعه في ذلك وتدبيره وما جعل في تأخير موت الأرواح من الكرامة للمؤمنين والهوان للفاسقين.

  فإنك إن أفكرت في ذلك بخالص لبك واستعملت فيه ما جعل الله من