شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل: في ذكر العقل)

صفحة 82 - الجزء 1

  قلت: لعل من ذهب إلى أن العلم يحد إنما أراد به العلم الكائن بعد الجهل وهو علم المخلوق فقط، وأما علم الله سبحانه أي: إدراكه للمدركات، فلا يصح المشاركة بينه وبين إدراك المخلوق؛ لأن إدراك المخلوق معنى خلقه الله له، وهو مخالف لإدراك الله سبحانه للمدركات؛ لأنه إدراك لا بمعنى؛ ولأن الله سبحانه يعلم ما في جوف الصخرة الصماء، كما قال الله سبحانه حاكياً: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ١٦}⁣[لقمان]، ونحو ذلك، والمخلوق لا يدرك إلا ظاهرها إدراكاً قاصراً وضعيفاً.

  (وثمرته) أي: ثمرة علم الكلام أي: الفائدة من معرفته (بيان معرفة الله سبحانه) للجاهلين، (وعدله وما يترتب عليهما) من الدين.

  (واستمداد بعضه) أي: بعض علم الكلام (من صنع الله سبحانه باستعمال الفكر فيه، وبعضه) مستمَد (من السمع المثير لدفائن العقول) أي: المنبه لأهل العقول على ما يعقلونه، مثل قوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١}⁣[يس]، (وبعضه) مستمد (من السمع فقط)، وذلك كالآيات والأخبار الدالة على الإيمان والكفر، والإمامة وشفاعة النبي ÷.

(فصل: في ذكر العقل)

  اعلم أن وجه الحكمة في خلق العقل هو كونه نعمة من أعظم النعم، وحجة من أبلغ الحجج، جعله الله هادياً إلى سبيل النجاة، وسبباً إلى ارتفاع الدرجات، وقرنه بخلق النفس الداعية إلى محبة الشهوات، وإصلاح ما تدعو إليه من أمور الدنيا.

  ووجه الحكمة في مقارنة النفس للعقل هو ما أراده الله سبحانه وتعالى في ذلك من حياة الحيوان، وجلب المنافع، وعمارة الأرض، روي أن عيسى بن مريم