شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر فناء العالم وكيفيته

صفحة 241 - الجزء 2

  وإن كان انتفاؤه لمؤثر فلا يخلو حاله إما أن يكون موجباً أو مختاراً.

  ومحال أن يكون أمراً موجباً لأن ذلك الموجب ليس إلا أن يقال إن العالم ينتفي لطرو ضد وهو الفناء والقول به باطل لأمرين:

  أما أولاً: فلأنه لا طريق إلى كون الفناء معنى مضاداً للجوهر فيجب نفيه.

  وأما ثانياً فلأن التضاد بينهما حاصل من كلا الجانبين وكل واحد منهما قابل للعدم فليس انتفاء الجوهر بالفناء بأولى من انتفاء الفناء بالجوهر، فيجب إما انتفاؤهما جميعاً وهذا محال، وإما أن يكونا موجودين معاً مع تضادهما وهذا محال أيضاً، أو ينتفي أحدهما دون الآخر وهو محال أيضاً؛ إذ لا مخصص، فبطل أن يكون المؤثر في عدم العالم وانتفائه أمراً موجباً.

  قال: ومحال أن يكون المؤثر في انتفاء العالم مختاراً لأن الفاعل لا بد له من فعل يؤثر فيه والإعدام ليس أمراً ثبوتياً بل هو نفي محض فاستحال إسناده إلى الفاعل.

  (قلنا) رداً على الجاحظ ومن تبعه في زعمهم أن إعدام العالم محال: انتفاء العالم وإعدامه لمؤثر مختار أثر فيه وهو الله سبحانه وتعالى كما ابتدعه واخترعه من لا شيء كذلك يعيده نفياً محضاً ولا شيء حينئذ غير الله الواحد القهار ولا محال يلزم من ذلك (كذهاب المصباح) فإنه يصير نفياً محضاً عدماً بعد كونه جسماً، (و) كذلك (السحاب) فإنه يصير عدماً محضاً بعد كونه جسماً وذلك مشاهد بالضرورة (فليس) ما ذهبنا إليه من إعدام العالم (بمحال).

  فإن قالوا: إن أجزاء المصباح والسحاب لم تصر عدماً محضاً وإنما تبددت وتفرقت في الآفاق.

  قلنا: المعلوم بالضرورة أنه لم يبق من أجزاء المصباح ولا السحاب شيء فمن ادعى أنه بقي من أجزائهما أي شيء فعليه الدليل، ولا يجد إلى ذلك سبيلاً، وليس خلق الأجسام من العدم المحض بأعجب من إرجاعها إلى العدم المحض.