(فصل): في ذكر فناء العالم وكيفيته
  (و) مما يدل على ذلك من السمع (قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ...} الآية [الحديد: ٣])، فمعنى الأول: أنه تعالى المنفرد بالأولية أي كان ولا كائن غيره تعالى اتفاقاً فكذلك يكون معنى قوله تعالى: {وَالْآخِرُ} أي المتفرد بالآخرية أي الباقي بعد فناء كل شيء وإعدامه.
  ولو كان الفناء بمعنى التبديد والتفريق لما صدق عليه قوله تعالى: إنه الآخر أي المتفرد بالآخرية لأنه قد شاركه في هذه الصفة الأجسام المتبددة والمتفرقة.
  وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[الروم: ٢٧]، ولا يعقل الإعادة إلا بعد الإعدام.
  وقوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}[الأنبياء: ١٠٤]، وكان الابتداء عن عدم فكذلك تكون الإعادة عن عدم.
  وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ٢٩}[الأعراف]، وقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦}[الرحمن]، وقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، فهذه الآي كلها تدل على أن الفناء بمعنى الإعدام.
  (و) مما يدل على ذلك أيضاً ما ذكره (في النهج) أي نهج البلاغة في خطبة التوحيد من قوله #: «فهو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها، وأنه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه (كما كان) أي الله سبحانه وتعالى (قبل ابتدائها) أي المخلوقات كلها (كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان) ولا حين ولا زمان عَدُمَت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات».
  (إلى قوله #: «ولا شيء إلا الله الواحد القهار»).
  وقوله # في خطبة الأشباح: «الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده».