(فصل): في ذكر فناء العالم وكيفيته
  وهذا كله نص فيما ذهبنا إليه من إعدام العالم.
  فإن قالوا: الإعدام غير محال ولكن لا تصح الإعادة إلا لتلك الأجسام المتبددة التي أطاعت الله تعالى وعصته، ولو عدمت كان المعاد غيرها، ولو أعيد غيرها أدى إلى أن ينعم جسم لم يتعب في طاعة الله ومشاق تكليفه وأن يعذب جسم لم يعص الله وذلك لا يصح من الله سبحانه.
  والجواب والله الموفق: أن الله سبحانه قادر على إيجاد ذلك الجسم الذي أعدمه بعينه وإرجاع ذلك الروح إليه وتنعيمه أو تعذيبه فلا بعد في ذلك بعد إقامة الدليل عليه لأن الله على كل شيء قدير.
  واعلم أن القائلين بصحة إعدام الأجسام اختلفوا في المؤثر في هذا الإعدام:
  فالذي ذهب إليه جمهور أئمة أهل البيت $ أن المؤثر فيه الفاعل المختار وهو الله رب العالمين وهو قول الخوارزمي من المعتزلة والباقلاني من الأشعرية حكاه عنهما في الشامل.
  وهو أيضاً قول أبي الحسين الخياط فإنه ذهب إلى أن الله تعالى يعدم العالم ابتداء كما أوجده وجعل الإعدام مقدوراً لقادر وهو قول الشيخ محمود الملاحمي أيضاً إن الفناء مقدور لقادر وإن لم يقل بعدم الأجسام ذكر هذا شارح الأبيات الفخرية.
  وقال جمهور المعتزلة: إن المؤثر في الإعدام طرو ضد للأجسام يسمى الفناء ولا محل له.
  وقال بعض الأشعرية وبعض المعتزلة: بل إنما كانت الأجسام باقية ببقاء قائم فيها وذلك البقاء غير باق بل يخلقه الله تعالى حالاً بعد حال فإذا لم يخلق الله ذلك عدمت الجواهر.
  وبعضهم قال: إن الجواهر باقية ببقاء لا في محل، وهذا يحكى عن بشر بن المعتمر.