(فصل): في ذكر فناء العالم وكيفيته
  ومنهم من قال غير ذلك، ولا حاجة إلى الاشتغال بذكر هذه الأقوال الباطلة التي لا دليل عليها من عقل ولا سمع.
  قال الإمام يحيى #: وأما المتوقفون في صحة إعدام الأجسام وفي إنكارها فهم بعض المتكلمين من المعتزلة والجويني من الأشعرية.
  قال: ويكفيهم في تقرير ما قالوه القدح فيما احتج به القاطعون بصحة ثبوت عدمها من غير حاجة لهم إلى إيراد دلالة قاطعة على صحة الوقف.
  قال: والمختار عندنا هو الوقف في صحة الإعدام لهذه الأجسام وأن فناء العالم هو القطع بزوال هذا النظام وتغيره عما هو عليه الآن.
  قال: وهذا هو قول الجاحظ واختاره الخوارزمي في كتاب الفائق.
  قال: والجواب عن أدلة القاطعين بصحة إعدام الأجسام: أما قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ}[الحديد: ٣]، فإنما دلت الآية على كونه تعالى آخراً على الإطلاق ولم يشعر ظاهرها بكونه آخراً لكل الذوات وإذا كان هكذا كان معناها أنه تعالى يبقى حياً بعد موت جميع الأحياء وحينئذ يسقط استدلالهم بها.
  قال: وأما قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[الروم: ٢٧]، فإن ظاهره حجة لنا لأن الخلق هو التقدير والإيجاد فالمعنى أن الله خلق العالم أي أوجده وقدره وابتدأه فقوله بعد ذلك: ثم يعيده أي يرده إلى حالته الأولى وهو التقدير فيجب أن تكون الإعادة هي الجمع بعد التفريق وحينئذ يسقط استدلالهم بها.
  وأما قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦}[الرحمن]، فلا نسلم أن الفناء حقيقة في العدم بل المراد بالفناء خروج الشيء عن الصفة التي ينتفع بها ولهذا يستعملون الفناء في الموت فيقولون: أفنتهم الحرب وأفناهم الموت.
  قلت: ولم يذكر الجواب على قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}[الأنبياء: ١٠٤]، ولعل الجواب: أن يقال: المراد أن تعلق القدرة بالإعادة كتعلقها