شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [في جواز التكسب]

صفحة 264 - الجزء 2

  ثم أهل السفر في البر والبحر يقطعون القفار ويخوضون البحار ابتغاء فضل الله وتوكلاً عليه في صرف العوائق عنهم وتمام السلامة لهم (سيما مع المخاطرة به) أي بالرزق (في القفار) التي هي مأوى اللصوص (وعلى متون أمواج البحار)، التي لا يؤمن فيها هلاك الأنفس والمال من شدة الرياح أو من سكونها كما قال تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ٦٩}⁣[الإسراء]، وقوله ø: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيَاحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ٣٣ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ٣٤}⁣[الشورى].

  وأما قولهم: إن الأموال مباحة فهو إنكار لما علم تحريمه من الدين ضرورة (وأدلة تحريم أموال الناس) بغير إذن شرعي (لا ينكرها إلا كافر) جاحد لما أنزل الله من الأحكام والحدود وكفى بذلك كفراً.

  واعلم أن ضمان الله سبحانه رزق عباده وكفالته لهم به كما قال ø: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}⁣[هود: ٦]، وقوله ø: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}⁣[الذاريات]، لا ينافي التكسب وطلب الرزق؛ لأن الله سبحانه جعل الدنيا دار عمل فلا بد من السعي في الأغلب للرزق فيها وهو من جملة الأعمال الواجبة أو المندوبة أو المباحة أو المحرمة أو المكروهة كما مر ذكره والله سبحانه قادر على أن يرزقهم طعاماً مصنوعاً أو غير مصنوع كما في الجنة.

  ولا يقال: إن موت من يموت بالجوع أو العطش ينقض ضمانه تعالى؛ لأن ذلك سبب من أسباب الموت جعله الله تعالى لمصلحة للمكلف أو عقوبة كما مر ذكره في الآلام.