(فصل:) في حقيقة التكليف ووجه حسنه
  سبحانه بأنه يموت كافراً مطابقاً للواقع وإلا كان كذباً أو كاشفاً عن الجهل في حقه تعالى، وكلاهما لا يجوزان على الله تعالى، وحينئذ يكون هذا تكليفاً له بالكفر (مع الإيمان، والجمع بينهما لا يطاق) وذلك واضح الاستحالة.
  (والجواب) عما زخرفه الشقي الغوي، واعتقد أنه قد أتى على باطله وافترائه على ربه بشيء (والله الموفق) إلى الصراط السوي والمنهج الرضي بلطفه وتنويره وهدايته وتيسيره أن نقول:
  أما أولاً: فإن أبا جهل لم يكلف بالعلم بأنه كافر، وإن أخبر به النبي ÷ كما لم يكلف بالعلم بأن في المدينة منافقين مردوا على النفاق، وكما لم يكلف العلم بأن امرأة لوط من أهل النار وامرأة فرعون من أهل الجنة، وأن الله سبحانه أغرق فرعون وخسف بقارون وغير ذلك اتفاقاً، وقد جاء بذلك كله النبي ÷.
  وأما ثانياً: فلا شك (أن كفر أبي جهل لعنه الله سبب للإعلام) من الله سبحانه (بأنه) أي أبا جهل (كافر ضرورة) أي عُلم أن كفر أبي جهل هو السبب في الإعلام من الله سبحانه بأنه كافر ضرورة أي بضرورة العقل أي بديهته والكفر قد فعله أبو جهل باختياره له، وتأثيره على الإيمان من غير مانع ولا حائل بينه وبين الإيمان، ولو آمن أبو جهل لكان الله سبحانه وتعالى يعلم منه الإيمان؛ لأن علم الله سبحانه سابق للمعلوم غير سائق إليه ولا مؤثر فيه وهذا كما تراه واضح لمن انقاد لحكم عقله (لا) كما عكس الغوي أبو الحسن الأشعري من (أن ذلك الإعلام) من الله سبحانه بكفره (سبب لحصول كفره) لأنه لا تأثير لعلم الله تعالى في حصول الكفر من العبد ولا الإيمان البتة كما ذكرناه، وإنما علمه تعالى بذلك سابق غير سائق، (وإذا لم يكن الإعلام سبباً) لكفره (لم يلزم التكليف) من الله تعالى لأبي جهل (بالكفر) بل حصل منه الكفر باختياره واتباع هوى نفسه، فثبت أن الله تعالى لم يكلفه بالكفر وإنما كلفه بالإيمان.