(فصل:) في أحكام اللطف وغيره
  الله سبحانه على المكلفين في الدنيا التي هي أكثر وأجل من أن تحصى كما قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: ٣٤]، وذلك محض التفضل.
  ثم أخبرنا الله سبحانه بأنه يتفضل على المطيعين بزيادة الهدى وتنوير البصيرة والإعانة لهم على الطاعة وجميع أمورهم وذلك من مقدمات ما وعدهم به وتفضل عليهم من الثواب وأخبرنا جل وعلا بأن من عصاه وخالف أمره واتبع هواه سلبه الله تعالى هذه الزيادة والتنوير وخلاه وشأنه ووكله إلى نفسه وذلك أيضاً من مقدمات ما أعد له من العذاب في الآخرة إلا أن يرجع إلى ربه ويتوب من عظيم ذنبه فيرجع الله عليه بالهداية وزيادة البصيرة وهذا هو المعلوم من العقل والسمع وأقوال الأئمة $ والقرآن مملوء بذكر هذا المعنى.
  وأماما ابتدعه المعتزلة في تقسيم الألطاف التي ذكروها وإيجابها على الله سبحانه فلم أعرف وجهه ولا وقفت عليه في أقوال قدماء أهل البيت $ والله أعلم.
  وقد نقلت من أقوالهم في ذلك ما لا بد منه في معرفة مقاصدهم.
  قال بعض المعتزلة ومن وافقهم: بل يجب على الله تعالى ستة أمور: وهي اللطف للملتطفين، والعوض للمؤلمين، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، وقبول توبة التائبين، والإثابة للمطيعين، والتمكين للمكلفين.
  قالوا: فالثلاثة الأول ليس الموجب لها ابتداء التكليف، والثلاثة الأخر يوجبها ابتداء التكليف.
  وقال بعضهم: هي ثمانية هذه الستة ونصرة المظلومين وبعثة المستحقين.
  وقال الإمام يحيى # في الشامل ما لفظه: اتفقت العدلية من الزيدية والمعتزلة على القول بوجوب اللطف والعوض والثواب على الله تعالى وغير ذلك من الأمور الواجبة عليه من أجل التكليف فأما ما لا يتعلق بالتكليف كالأفعال المبتدأة فلا يوصف بكونه واجباً، وإنما يوصف بكونه نعمة وإحساناً