(فصل:) في أحكام اللطف وغيره
  كإعتاب من أباها) أي قبول عذر من اعتذر عن إبائه لها ورجع إليها.
  قال في الصحاح: يقال: أعتبني فلان إذا عاد إلى مسرتي راجعاً عن المساءة والاسم منه العتبى واستعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني (فكما أن فعل ذلك) كله (تفضل في) حكم (العقل) من صاحب المائدة على القوم المحتاجين إلى الطعام لا ينكره عاقل.
  (فكذلك هذا) الذي زعمت المعتزلة أنه واجب على الله سبحانه وتعالى وهو الجزاء والعوض والتمكين واللطف وقبول توبة التائبين وقد تضمن هذا المثال هذه الخمسة وهو إشارة إلى ما روي عن النبي ÷ في حديث جابر بن عبدالله الأنصاري | قال: خرج علينا رسول الله ÷ يوماً فقال: «إني رأيت في المنام كأن جبريل # عند رأسي وميكائيل عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً فقال: اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك فالله ø الملك والدار الإسلام والبيت الجنة»(١) رواه الإمام أحمد بن سليمان #، وروى نحوه البخاري.
  قال #: (وأما التناصف) بين الظالمين والمظلومين الذي زعموا أنه واجب على الله تعالى (فهو بعد ثبوت كون التخلية) من الله تعالى بين الظالم والمظلوم (من الامتحان) الذي فيه تعريض إلى النفع العظيم أو دفع الضرر الجسيم، وقد عرف حسن الامتحان بما تقدم في فصل الآلام فهو حينئذ (مزيد تفضل) منه تعالى (محض) على من أنصفه تعالى من ظالمه؛ لأنه قد ثبت أن الله
(١) رواه أبو طالب # في الأمالي، والمتوكل على الله أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة، والشرفي في تفسير المصابيح نقلاً عن البرهان، ورواه الترمذي في سننه، والحاكم في المستدرك، وابن جرير الطبري في تفسيره، والبيهقي في دلائل النبوة.